علياء بنت سعيـد القاسميــة
ماجستيـر قيادة تربويـة الجامعة العربيـة المفتوحة بسلطنـة عُمــان
أدركت كافة المؤسسات العامة والخاصة في مختلف بلدان العالم المتقدمة أهمية الاستثمار في الموارد البشرية لمواكبة التغيرات والتحديات التي تَعْصِفُ بها. ويتطلب الأمر توفير قادةٍ على مستوى عالٍ من المهارات والفعالية. يقوم القائد بمهمة وضع الأهداف التي تُحقِّق رؤية المؤسسة، وكذلك مهمة التخطيط لترجمة الأهداف إلى واقع. إلا أنه لا يمكن للقائد أن يقوم بهذه المهام بمفرده؛ فهو بحاجةٍ إلى فريق عَمَلٍ مميز تتوافر به الإمكانات والمهارات والكفايات اللازمة للعمل والإنجاز. وعلى ضوء ذلك يمكن القول إن العنصر الأساسي في القيادة هو الإنسان.
تُقاسُ القيادة بنتائجها؛ فهي إما قيادة رديئة وإما جيدة. والقيادة الرديئة تمثل تحديًا كبيرًا إن لم يكن الأكبر في نجاح المؤسسات؛ فهي تُعَطِّل المصالح إلَّا ما يُحقِّق المصالح الشخصية للقائد، وتُضَيِّع الكفايات، وتُسبِّب هجرتها من المؤسسة، وتُهدِر الموارد المادية والبشرية، ولا تُنَظِّم قائمة الأولويات بشكلٍ صحيح. أما القيادة الجيدة فإنها تهتم بمصالح المؤسسة (الإنتاج)، ومصالح العاملين (الاحتياجات والرفاهية). وتستثمر الموارد المادية والبشرية، وتجتذب الكفايات، وتعمل على تنميتها.
من هنا نَجِدُ اهتمامًا عالميًّا بالقيادة؛ فالكثير من القادة لم يُولَدْ بقدرات استثنائية. لذلك ظهر الاهتمام بالقيادة كمهاراتٍ وكفاياتٍ وفَنٍّ يمكن أن يتعلمه القائد ويُطَوِّره. وبرزت عدة أسماء في هذا المجال. على المستوى العربي نذكر الدكتور الكويتي طارق السويدان؛ وهو مدرب في الإدارة والقيادة، ولديه مؤلفات عديدة في القيادة، منها كتاب: (الرسول القائد). ومن الكتب واسعة الانتشار في العالم العربي: كتاب (حياة في الإدارة) للكاتب السعودي غازي القصيبي.
على المستوى العالمي نجد الكاتب الأمريكي (جيم كولينز) مؤلف كتاب (من جَيِّد إلى عظيم)، الذي يركز على فكرة أن التقدم لا يحدث بين عَشِيَّةٍ وضُحاها، وأن التقدم هو عملية مستمرة. وهناك -أيضًا- (سايمون سينك) المؤلف البريطاني الأمريكي صاحب كتاب (ابدأ بلماذا؟)، الذي يوضح أهمية التركيز على الهدف. واتجه لاعب كرة السلة الأمريكي (جون وودن)، أيضًا للتأليف في مجال القيادة من خلال كتابه (وودن عن القيادة)، الذي يركز على كيفية بناء فريق العمل. والكاتب الأمريكي (ستيفن كوفي) صاحب كتاب (العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية)، وهو يركز على تعليم الناس كيف يمكن أن يصبحوا أكثر فعالية، عن طريق مواءمة النفس مع المبادئ والأخلاقيات. أما الأكثر شهرة على مستوى العالم فهو الأمريكي (جون سي ماكسويل) مؤلف كتاب (21 قانونًا لا تقبل الجدل في القيادة)، وهو يركز على القوانين التي إن التزم بها القائد فسوف يتبعه الناس. والكتاب يحتوي على مئات القصص من تجارب الكاتب الشخصية أو من قصص وَسِيَر أشهر القادة على مَرَّ التاريخ. إلا أنه لم يَعْرِض من بين هذه القصص مواقف لأي قائد عربي أو مسلم، رغم ثراء تاريخنا بالقادة العظماء والمؤثرين، الذين أحدثوا تحولات عظيمة في مسار التاريخ.
مع تنوع أنماط القيادة في العصر الحديث إلا أن المسلمين لم يُعْطوا لنمط القيادة في القرآن والسُّنَّة حقه من الفهم والنشر (Salleh,2018). كما أنه لم يُسَلَّط الضوء على قصص القيادة المذكورة في القرآن والسيرة في مؤلفات القيادة العالمية. من هنا وَجَدَتْ الباحثة أنه من الجيد دراسة مدى تحقق 21 قانونًا لا تَقبل الجدل في قصص القيادة في القرآن والسيرة.
السؤال الرئيس
ما مدى تحقق “21 قانونًا لا يقبل الجدل في القيادة” لـ (جون سي ماكسويل) في قصص القيادة في القرآن الكريم والسيرة؟
الإطار النظري والأدبيات السابقة
ما هي القيادة؟
تعريف القيادة واسع جدًّا ومن بين هذه التعريفات ما ذكره Amin (2022) أن القيادة هي سلسلة من الأنشطة الهيكلية تظهر على شكل قدرة تأثير الفرد على سلوك الآخرين؛ حتى يكونوا على استعدادٍ للعمل على تحقيق أهداف محددةٍ سلفًا.
يمكن تعريفها بأنها التأثيرات التي يُمارسها القائد على التابعين، وتوجيه جهودهم نحو تحقيق الهدف بدون نسيان مشاعر العمال وتحقيق رغباتهم (توفيق،2017).
القيادة في القرآن والسنة:
تناول القرآن الكريم معنى القائد بِعِدَةِ ألفاظٍ، منها:
(المَلِك)، كما في الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ﴾ البقرة (247).
(إمام)، كما في الآية: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ البقرة (124).
(خليفة)، كما في الآية: ﴿ِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ البقرة (30).
(سَادَة)، كما في الآية: ﴿رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا﴾ الأحزاب (67).
وجميع هذه الألفاظ تحمل في معانيها معنى القائد، بالإضافة إلى صفاتٍ ومهامٍ أخرى (إسماعيل،2023).
أما في السُّنَّة النبوية نجد أن معنى القيادة -أيضًا- جاء بِعِدَّةِ ألفاظٍ، منها:
(راعٍ)، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٍ عن رعيته).
(أمير)، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم).
(والي) كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (اللهم من وُلِّيَ من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به).
(سلطان)، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سُلطانٍ جائر) (المولى،2015).
تشير الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ النساء (59) إلى أن طاعة أُولي الأمر من أعظم واجبات الدين، وفيها أمر بطاعة الأئمة والوُلاة فيما هو طاعةً لله، ومصلحةً للمسلمين، وأن المسلمين لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض.
كتاب (21 قانونًا لا يقبل الجدل في القيادة):
يقول الكاتب إنه قد وضع كل ما تَعَلَّمَهُ من آراء ومواقف ونصائح عن القيادة على مَرِّ الزمن في هذا الكتاب؛ فهو يحتوي على 21 قانونًا يجب أن يتعلمها كل قائد. لا يوجد من يستطيع تطبيق جميع هذه القوانين بكفاءة، ولكن لا يجب عليه أن يتجاهلها، ويتوجب عليه أن يبنى فريقًا ممن يمتلكون تلك المهارات لتعويض ذلك.
يتناول الكتاب القوانين بدون تعريفٍ للمصطلحات، وإنما يُشير لها بالتشبيهات، وقد أَسْرَدَ الكثير من القصص والمواقف من حياته الشخصية أو من قصص أشهر القادة في العالم وَذَكَرَ بعض التعليمات وما قد يحدث عندما تهتم بها أو تتجاهلها، وما الإجراءات التي تدعمها أو تكون منافيةً لها. ويحتوي الكتاب على أسئلةٍ تُثير تفكير القائد، وتُقَيِّم مدى ما يمتلكه من مهارات تدعم تحقيق هذا القانون.
تجد الباحثة أنه لن تُصاب بالدهشة عندما تقرأ الكتاب، فهو يحوي الكثير من المفاهيم البديهية، إلا أن (ماكسويل) يُجيدُ تأطير المفاهيم وَوَضْعَ النقاط التي تساعد القائد في فَهْمِ القانون؛ ليُدرِكَ بعدها أن القوانين في القيادة يمكن تعلمها. ويؤكد (ماكسويل) في الكتاب أنه إذا طَبَّقَ القائد القانون سيتبعه الناس، وإذا تجاهله فلن يكون قادرًا على قيادة الآخرين. وكلما زادت القوانين التي تتعلمها ستُصبح قائدًا أفضلَ.
قوانين ماكسويل في القيادة وقصص القيادة في القرآن والسيرة:
للربط بين قوانين ماكسويل وقصص القيادة في القرآن والسيرة، استخدمت الباحثة المنهج الوصفي الاستقرائي الاستنباطي، وقد اعتمدت الباحثة على قصص القيادة من المصادر الأصلية؛ وهي القرآن الكريم وكُتُب تفسير القرآن وكُتُب السيرة ومصادر ثانوية كرسائل الماجستير والدكتوراه والدراسات العلمية. وسيتم عرض القانون مع نبذة تعريفية له، وتتبعها بالقصة والنموذج الذي يتحقق من خلالها.
1- قانون السقف:
النجاح الشخصي يُحقق فعاليةً محدودة، ويكون تأثير المرء مجرد جزء يسير مما يمكنه أن يكون عليه عند وجود القيادة الجيدة. فكلما أردتَ أن ترتقي أكثر زادتْ حاجتك للقيادة؛ فالقدرة على القيادة تُمَثِّل سَقْفَ الفعالية الشخصية والمؤسسية، وبوجود القيادة القوية فإن سَقْفَ المؤسسية سيكون مرتفعًا، أما إذا كانت القيادة ضعيفة فإن المؤسسة تكون مُقَيَّدةً ومحددة.
وقد تَحَقَّقَ قانون السقف في قيادة النبي يوسف -عليه السلام-. فعندما سمع رؤيا الملك حَدَّدَ الأزمة التي سيواجهها أهل مصر، ولم يكتفِ بشرح الأزمة، ولكن طلب أن يكون على رأس الفريق الذي سيتعامل معها: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ﴾ يوسف (55). وهنا رفع القائد يوسف سَقْفَ قدراته ومهاراته إلى مكان عالٍ جدًّا هو له أَهْل. وبدأ مواجهةً عمليةً معقدة تستمر إلى أكثر من (14) عامًا، كما أنها تُؤَثِّر بشكل مباشر في شعب مصر والشعوب الأخرى. وقد خَطَّطَ وعمل على زيادة التشغيل ومضاعفة الأراضي الزراعية، واختيار أفضل الحبوب، والترشيد في الاستهلاك، وكل ذلك من أجل مضاعفة الإنتاج في السنوات السبع الأولى، ونجح في توفير احتياطي، بالإضافة إلى أنه أَسْهَمَ في تنمية الموارد البشرية والصناعية. ويمكن القول إن التخطيط والفاعلية الإدارية الشاملة التي مارسها النبي يوسف -بصفته قائدًا- عملت على تجاوز الأزمة تجاوزًا حقيقيًا، وتنمية البلد تنميةً استفاد منها شعب مصر والشعوب الأخرى (مطوري، 2013).
2- قانون التأثير:
من أقوال (ماكسويل) المشهورة: “إن القيادة هي القدرة على التأثير لا أكثر ولا أقل”، بالتالي فإن قدرة القائد على التأثير هي المقياس الفعلي للقيادة، ويعتمد القائد المُؤَثِّر في قدرته على إقناع الأتباع بأفكاره وآرائه، وتزداد قوة التأثير بوجود بعض العناصر التي تدعمها، مثل قوة شخصيته، وقدراته المعرفية، وشبكة علاقاته وتجاربه، والحدس الذي يتمتع به.
نجد تحقق قانون التأثير في نقاش الملكة بلقيس مع رجال دولتها (Sari,2022) في أمر كتاب سليمان -عليه السلام- الذي أُلقِيَ إليها؛ حيث قالت: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي﴾ النمل (32)، وقد كان جوابهم: ﴿نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ النمل (33). فاستنتجت انهم يميلون للمواجهة العسكرية إلا أنها كانت تَجْنَح للسِّلم: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ النمل (34)، وهنا أظهرت خبراتها المعرفية: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ النمل (35)، وعَرَضَت عليهم أفكارها. فَوَصَلَت معهم إلى تغيير القرار من الحرب إلى الدبلوماسية (Amin, 2022).
3- قانون العملية:
يوضح هذا القانون أهمية التعلُّم المستمر، والقائد الجيد هو القادر على تطوير قدراته وتحسينها بشكلٍ مستمر؛ فهو المُرشد للفريق، والقيادة هي عملية نُمُوّ تحدث وفقًا لخمس مراحل:
1- لا تعرف ما الذي لا تعرفه،
2- تعرف أنك بحاجة لأن تتعلم،
3- تعرف ما الذي لا تعرفه،
4- تعرف وتنمو،
5- تنطلق ببساطة.
فالأبطال لا يصبحون أبطالًا في الحَلَبة، ولكن الحَلَبة فقط هي مكان الشُّهْرَة.
يَظْهَرُ قانون العملية في مراحل صناعة القائد -موسى عليه السلام- التي بدأت منذ لحظات حياته الأولى؛ فكل ما مَرَّ به في حياته أَثَّرَ على شخصيته وتفكيره؛ من عودته لأمه رضيعًا لتزرع فيه اليقين بالله والصفات الحميدة والأفكار الراسخة والأهداف العظيمة: ﴿إنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ﴾ القصص (7)، إلى تَربيَته في بيت فرعون على العِزَّة والقيادة ﴿ألَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) الشعراء (18)، وتستمر عملية صناعة القائد في مرحلة شبابه عندما قَتَلَ قِبطِيًّا خطأً غفر الله له؛ فقد اختاره لمنصبٍ عالٍ ومُهِمٍ وعظيم. ثم عمله في رعاية الأغنام في بيت صهره نبي الله شعيب، حيث اكتمل هناك نضجه واكتسابه كفايات متنوعة، رفعت من قدرته القيادية، ولأن المعرفة ضرورية للقائد؛ فقد حصل موسى على ما يحتاجه منها من التوراة، ويمكن ملاحظتها جَلِيًّا من حوارات موسى مع فرعون، ومع بني إسرائيل كما ذكرها القرآن الكريم. واستمر موسى في طلب العلم والمعرفة؛ ليزيد من نموه من خلال قصته مع العبد الصالح، كما أخبرتنا بذلك الآيات (63-82) من سورة الكهف، وحتى تنجح مهمة القائد يجب أن تكون أهدافه ورؤيته واضحة، وهذا ما حدث في الوادي المقدس في الحوار بين موسى وربه. ثم تأتي اللحظة التي يحتاج فيها النبي موسى إلى كل ما تعلمه، واكتسبه من مهارات وقدرات، وهي لحظة مواجهة فرعون، وهداية بني إسرائيل. عليه نجد أن الأحداث التي مَرَّ بها، والعلوم التي اكتسبها، كانت سببًا للرُّقِيّ بمستواه القيادي، وبلوغ أهدافه. (عياش،2018)
4- قانون الملاحة:
القائد يمكنه أن يرى أكثر من الآخرين، ويرى قبلهم ويرى أبعد منهم. أَيّ شَخْصٍ يُمْكِنُهُ قيادة دفَّة السفينة، ولكن القائد هو من يستطيع أن يوصلها للهدف. وذلك من خلال التعلُّم من الأخطاء ودراسة المناخ المحيط بهم قبل الإقدام على أي خطوة، والتعرف على كل ما يؤثر على سفينتك؛ فالناس تعتمد على القائد في رسم مسار الرحلة، فالقادة البارعون قادرون على أخذ تابعيهم إلى أي مكان.
ذو القرنين هو من الذين اصطفاهم الله للمُلْكِ والقيادة، يَجُولُ مشارق الأرض ومغاربها بجيشه، وردت قصته في سورة الكهف، وما جاء فيها من الأخذ بالأسباب في تشييد سَدِّ يأجوج ومأجوج؛ فقد عرف ذو القرنين التحديات والمخاطر التي يُسَبِبُها قوم يأجوج ومأجوج ومدى فسادهم في الأرض، ودَرَسَ إمكانات القوم الذين يعيشون بين الجبلَيْن، ويعانون من قوم يأجوج ومأجوج، فاستخدم قوة القوم، وإمكانياتهم، وَوَجَّهَهُم لجَمْعِ الحديد، وَوَضْعِهِ بين الجبَلَيْن وأمرهم بإيقاد النار وَسَكْبِ النحاس المنصهر، فتم بذلك بناء السد وإغلاق الفجوة بين الجبلَيْن، وَقَطْعِ الطريق على يأجوج ومأجوج. نجد أن القوم كانوا يمتلكون الإمكانات، إلا أنهم كانوا بحاجة إلى قائد يُخَطِّط، يُوصِلُهُم لإنجاز المهمة بشكلٍ صحيح؛ لتحقيق الهدف.
5- قانون الإضافة:
إن القائد الناجح -حسب قانون (ماكسويل)- هو من يُقَدِّر المُحِيطين به، ويعرف احتياجاتهم. فجوهر القيادة ليس إلى أي مدى تَقَدَّمْتَ، بل إلى أي مدى ساعَدْتَ الآخرين على التقدم؛ فعلاقة القائد بالآخرين تترك أثرًا إما إيجابيًّا وإما سلبيًّا، يمكنك معرفة نوع الأثر الذي تركْتَهُ من خلال الإجابة على سؤال: هل تجعل الأمور أفضل بالنسبة للأفراد الذين يعملون تحت قيادتك؟ وقد وضع (ماكسويل) أربعة إرشادات تساعد القائد على ممارسة قانون الإضافة، وهي:
1- نُقَدِّر الآخرين،
2- نجعل أنفسنا أكثر قيمة للآخرين،
3- نتعرّف على ما يقدره الآخرون ونقدمه لهم،
4- نفعل أشياء يرضى الله عنها.
تُعَدُّ القيادة فنًّا صعبًا لارتباطها بالعنصر البشري. وفي موقف واحد أتقن رسول الله قانون الإضافة (التقدير) حين وزع الغنائم في غزوة حُنَين، أعطى رسول الله للمؤلفة قلوبهم من أهل مكة عطيات كبيرة؛ وذلك لأنه يعرف ما يُقدِّرونه فقدمه لهم. وحين عَلِمَ أن في نفوس الأنصار شيئًا من ذلك خاطبهم بما يُقدِّرونه، وهو حُبُهُم له حيث قال: (أما ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم. لو سَلَكَ الناس شِعْبًا وسَلَكَتْ الأنصار شِعْبًا لسَلَكْتُ شِعبَ الأنصار)، فقال الأنصار: رضينا برسول الله حظًا وقِسْمًا. وفي هذا الموقف قدر رسول الله أتباعه، وعَرَفَ ما يُقدِّرونه، وقدمه لهم، وجعل رسول الله لنفسه قيمةً أكبر في نفوس الآخرين، وكَسَبَ قلوب كلا الفريقيْن (السويدان،2022).
6- قانون الأرض الصلبة:
من أهم عوامل زيادة ثِقَة القائد بنفسه وثِقَة الفريق به هي شخصيته، وهي تمثل الأرض الصلبة التي تقوم عليها علاقة القائد بفريقه، ويُمكِن للقائد اتباع القواعد التالية؛ من أجل زيادة ثقته في ذاته من خلال: (التزام الصدق – عدم التصنع – إنجاز الخطوات الصحيحة – العمل على إصلاح الأخطاء عند حدوثها).
وقد حَقَّقَ رسول الله قانون الأرض الصلبة في غزوة حُنَين عندما فوجئ المسلمون بهجومٍ قوي من هوازن ومن معها، وَفَرَّ الكثير ممن أسلم بعد الفتح، وتراجع المسلمون عشوائيًا. وفي هذه اللحظة الصعبة والحرجة هتف رسول الله بكل ثِقَةٍ وهو ثابت الجأش: “أيها الناس هلموا إليَّ؛ أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله”، وهذا يمثل التزام الصدق وعدم التصنع. وطلب من العباس صاحب الصوت القوي أن ينادي أصحاب الشجرة، وهنا أنجز الخطوات الصحيحة. فتَجَمَّعَ المؤمنون الثابتون الواثقون بقائدهم حوله، وهذا يُمَثِّل إصلاح الأخطاء التي حدثت، ونتيجةً لاستخدام قانون الأرض الصلبة في هذا الموقف؛ فقد تحقق النصرُ للمسلمين (الجبوري،2022).
7- قانون الاحترام:
يميل الناس لاتباع القائد الأكثر احترام. وتلعب الشجاعة والتمسك بالمبادئ واتخاذ القرارات السليمة والاعتراف بالأخطاء وتقديم مصالح الأتباع دورًا كبيرًا في كَسْبِ الاحترام، فينظر الناس للقادة الجديرين بالاحترام بإعجاب، ويتبعونهم، ويسيرون على نهجهم دون بَذْلِ الكثير من الجهد. فعندما يحترمك الناس كإنسانٍ يشعرون نحوك بالإعجاب، وعندما يحترمونك كصديقٍ يحبونك، وعندما يحترمونك كقائدٍ يتبعونك.
يذكر حبلا (2023) أن رسول الله استنفر أصحابه لغزوة بدر، دون أن يعزم عليهم، فلم يكن يتوقع القتال، وإنما خرجوا للقافلة العائدة من الشام بقيادة أبي سفيان، فاختار -عليه الصلاة والسلام- سَهْلَ بدر ليكون مجرى القتال، إلا أن موقع المعسكر لم يكن استراتيجيًّا، وأشار الحباب ابن منذر إلى النزول في أقصى نقطة من الوادي، واقترح أن تُغَوّر الآبار والعيون سِوَى ما بِيَدِ المسلمين، فيكونوا مُسيْطِرِين على الأرض والماء. هنا طَبَّقَ الرسول قانون الاحترام؛ فقد امتثل بالشجاعة، وتمسك بمبادئه، وقَدَّمَ مصالح أتباعه، وشاورهم في الخروج، ولم يفرضه عليهم، كما أنه اعترف بخطئه في اختيار الموقع وغيره، حسب رأي الحباب ابن منذر، وبذلك طوَّر علاقته بالأنصار، وشاورهم بشكلٍ خاص في الحرب، وكانت النتيجة أن أصحاب رسول الله احترموه كقائدٍ فاتبعوه وانتصروا.
8- قانون الحدس:
يُعَرِّفُ (ماكسويل) الحَدَس بأنه قدرة القائد على التنبؤ، من خلال قراءة المواقف والأمور والأشخاص من منظور القيادة والرؤية وأهداف أعمالهم. وهي مهارة يمكن تطويرها ورفع مستواها. وهناك ثلاثة مستويات حَدَسِية رئيسة:
موهبة استثنائية،
مهارات يمكن تطويرها،
لا موهبة ولا مهارات يمكن تطويرها. وهؤلاء لن يتمكنوا من القيادة.
تميزَ سيدنا عمر -رضي الله عنه- في العديد من الصفات القيادية، منها: الشفافية والحَدَس؛ فَلَهُ من صواب الظن ما يشبه يقين العِلْم، وذلك فضل الله يعطيه للتقِيّ حقًّا. (سوبجاكي،2021). فقد كان عمر بن الخطاب من أعظم الناس فراسةً للمواقف والأشخاص ظهرت في مواقف عدة نذكر، منها:
ذكر علي (2023) أنه مَرَّ سواد بن قارب بعمر بن الخطاب، ولم يكن عمر يعرفه فقال عمر: “إن هذا كاهن”. فلما جلس سواد بين يَدَيْ عمر عاتبه قائلا: “يا أمير المؤمنين ما استقبلتَ أحدًا بمثل ما استقبلتني”، فقال عمر: “أخبرني عما سألتك عنه”، فقال: “صَدَقْت، كنتُ كاهنًا في الجاهلية”.
أشار الطيار (2017) أن عمر -رضي الله عنه- قال: وافقت ربي في ثلاث:
1- قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت الآية: ﴿وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّىۖ﴾ البقرة (129)
2- قلت يا رسول الله لو أَمَرْتَ نساءك أن يحتجبن، فنزلت الآية: ﴿أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾ الأحزاب (19).
3- قلت لنساء النبي عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، فنزلت الآية: ﴿عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ التحريم (5)
9- قانون المغناطسية:
يُشير هذا القانون إلى أن القائد يجذب مَثِيلَهُ؛ فشخصية القائد تلعب دورًا مهمًّا في جذب أقرانه. ومهما كان أعضاء الفريق متفردين ومختلفين إلا أنه على الأرجح يوجد تشابه في مناطق انسجام أساسية، كالقِيَم والتوجه الذهني والقدرة على القيادة والانتماء لنفس الجيل. فإذا رغب القائد في اجتذاب اشخاص أفضل، فيجب أن يكون هو ذلك النوع من الناس، الذي يرغب في اجتذابه.
وقد تَحَقَّقَ قانون المغناطيسية في قيادة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، من خلال الصفات التي جمعت بينه وبين أصحابه المُقرَّبين؛ وهي الشجاعة وصدق اللهجة والكرم والتواضع (متولي،2016).
كما يذكر خضر (2021) أن هناك شبهًا كبيرًا يجمع بين الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأقرب أصحابه وهو أبو بكر -رضي الله عنه-. ويمكن تحديد أوجه الشَبَه بينهما حسب مناطق الانسجام الأساسية التي وضعها (ماكسويل) في قانون المغناطيسية، كما يأتي:
الجيل: وُلِدَ أبو بكر -رضي الله عنه- بعد عام الفيل بسنتين ونصف، لذلك فهما ينتميان لنفس الجيل.
الخلفية: ينتسب كُلٌّ من الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر -رضي الله عنه- لقبيلة قريش، واشتغل كُلٌّ منهما في شبابه في التجارة.
القِيَم: من المعلوم أن أهل مكة كانوا يُلَقِّبون الرسول بالصادق الأمين، وكذلك لَقَّبَ الرسول أبا بكر بالصديق.
التوجه الذهني: عاش كُلٌّ من الرسول وأبو بكر بين قوم يَسْتَحِلون الخمر ويعبدون الأصنام، إلا أن كُلًّا منهما لم يسجد لصنمٍ قط، ولم يشرب الخمر قط؛ لأن عقليْهِما وفطرتهما السليمة لم تقبل بذلك.
القدرة على القيادة: وصف سويدان (2017) أبا بكر بالتابع الشريك. وهو أعلى أنماط الأتباع؛ حيث يكون لهذا النوع من الأتباع قدرةً عالية على القيادة، وقد عَلِمَ ذلك رسول الله حيث جعله أميرًا للحجاج في بعثة حج السنة التاسعة للهجرة، وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما: (أنَّ امْرأةً جاءتْ إلى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في حاجةٍ مِن أمْرِها، فأمَرَها أنْ تَرجِعَ إليه مرَّةً أُخْرى، حتَّى يَقضِيَ لها حاجتَها، فقالتْ له: «فإنْ لم أجِدْكَ؟»، كأنَّها تَقولُ: إنْ أصابَكَ المَوتُ فلمْ أجِدْكَ؛ فما أفعَلُ؟ فقال لها -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: «إنْ لم تَجِديني فأْتي أبا بَكرٍ»؛ فإنَّه سيَقضِي حاجتَكِ. وقد تولى أبو بكر فعلًا قيادة المسلمين بعد وفاة الرسول خلال الفترة (11- 13) هجرية.
10- قانون الارتباط:
يُمكِن للقائد الجيد الاتصال بالآخرين، وربطهم به؛ وذلك عن طريق تقديم يد العون والمساعدة قبل طلبهم ذلك، وعندما يتعلق الأمر بالعمل مع الناس يأتي القلب قبل العقل؛ فلا يُمكِن حَثّ الناس على العمل ما لم تؤثر فيهم عاطفيًا، وكلما كانت العلاقة والارتباط بين الأفراد أقوى زاد احتمال رغبة التابعين في تقديم المساعدة للقائد، وهناك مجموعة إرشادات تساعد في إنشاء الارتباط، وهي: ارتَبِطْ بنفسك – تَواصَلْ بانفتاح وصدق – اعْرَفْ جمهورك – رَكِّزْ عليهم وليس على نفسك – قَدِّمْ الاتجاه والأمل – جَسِّدْ رسالتك.
يحتاج القائد إلى مخاطبة الآخرين بألفاظٍ سهلةٍ وواضحة، فيساعد ذلك على التأثير فيهم، وإقناعهم في أسرع وقت وأقل جهد، وقد طبّق نبي الله موسى -عليه السلام- هذا القانون من خلال فصاحته وقوة لسانه، وتَمَكُّنِه من التواصل الجيد مع بني إسرائيل، فتَمَكَّنَ من الارتباط بهم والتأثير عليهم، سنوردها حسب الإرشادات التي وضعها (ماكسويل)، وهي:
ارتَبِطْ بنفسك: لقد عرف موسى -عليه السلام- ذاته، ونقاط قوته، وما الذي يحتاجه لإنجاز المهمة وتحقيق الهدف: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ طه (25-28).
تواصَلْ بانفتاح: القائد الحقيقي هو من يقوم بالخطوة الأولى لبناء العلاقات، وكسب القلوب، وهذا ليس سهلا: ﴿قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ الأعراف (129). فقد رأى موسى -عليه السلام- أن أتباعه يستحقون الخلافة في الأرض، وكان ذلك ثناءً صادقًا مخلصًا، بعيدًا عن الزَّيْف والمُجاملة.
اعرف جمهورك: تعامل موسى -عليه السلام- مع جمهور يعرفهم معرفةً حقيقية، يُدْرِكُ ماضيهم وطباعهم وأحلامهم: ﴿وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا یَأۡمُرُكُم بِهِۦۤ إِیمَـٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ البقرة (92). كما يَعْلَمُ مناقبهم وقوتهم: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾ المائدة (20).
رَكِّزْ عليهم، وليس على نفسك: هذا ما فعله موسى -عليه السلام- مع أتباعه: ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓئيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ﴾ طه (47).
قَدِّمْ الاتجاه والأمل: وقد فعل ذلك موسى -عليه السلام- في اللحظة التي فَقَدَ فيها بنو إسرائيل الأمل، وَتَمَلَّكَهُم اليأس والخوف: ﴿قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ الشعراء (62).
جَسِّدْ رسالتك: نجد الكثير من القادة على استعداد لقول شيءٍ ما لأتباعهم، وفِعْلِ شيءٍ مختلفٍ تمامًا، إلا أن موسى -عليه السلام- كان يجسِّد ما يدعو اليه: ﴿حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الأعراف (105).
فهذه الحوارات ترفع الروح المعنوية، وتزيد من ارتباط القائد بأتباعه.
11- قانون الدائرة الداخلية:
لا أحد يحقق إنجازًا عظيمًا بمفرده؛ فقدرة القائد ونجاحه تتحدد بواسطة الأشخاص الأكثر قُربًا منه، وتتأثر بقدراتهم. فكما قالت الأم (تيريزا): “يمكنني فِعْلَ ما لا تَقْدِر عليه، وبإمكانك فعل ما لا أستطيع القيام به، فبإمكاننا معًا القيام بأمور عظيمة”.
لذلك يحرص القائد على وجود الأشخاص الأكثر موهبةً وحكمةً ونفوذًا ضمن دائرته الداخلية. وعليه أن يحرص على خلق مناخ من الأشخاص الإيجابيين، وقضاء الوقت معهم، وطلب مشورتهم.
عندما عَلِمَ النبي سليمان -عليه السلام- بقدوم الملكة بلقيس، توجَّه لجلسائه وخاصته الذين يُطلِق عليهم (ماكسويل) الدائرة الداخلية، وطلب منهم أمرًا عظيمًا. فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ النمل (38). فهو كقائد يعلم بوجود الأشخاص الأكثر موهبةً ونفوذًا وقُدرةً من بين أتباعه في هذه الدائرة. فجاءه الرد من العفريت: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾ النمل (39). ثم لم يلبث أن ظهر من هو أكثر قوةً ومهارةً، وقال من آتاه الله العِلْمَ: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ النمل (40)، وتم إنجاز مَهَمَّة نقل عرش الملكة بلقيس بنجاح (داود،2016).
12- قانون تفويض السُّلطة:
عندما يصل مستوى ثقة القائد بنفسه إلى درجةٍ عالية، تظهر قدرته على تفويض السُّلطة للآخرين؛ ليقوموا ببعض المهام وإدارتها، ويواجه بعض القادة مُشْكِلَةً في تفويض السُّلطة؛ وذلك لشعورهم بالأمان عند اكتناز المعرفة، والاستئثار بالمعلومات. كذلك يشعر البعض منهم بالدونية عند مشاركة الخبرات مع الآخرين؛ فالقائد الجيد هو الذي يمتلك الحِس لاختيار الرجل المناسب لإنجاز ما يريد إنجازه، ولديه ما يكفي لضبط النفس في عدم التطفل عليه أثناء إنجازه، وعليه -أيضًا- أن ينسب لهم الفضل في تحقيق الإنجاز، ويتحمل عنهم اللَّوم عند إخفاقهم.
بعد غزوة الأحزاب خرج رسول الله إلى بني قريظة؛ بسبب نَقْضِهِم العهد الذي كان بينه وبينهم، وَفَرَضَ عليهم الحصار، وقد قذف الله في قلوبهم الرُّعب والضعف. فقام الأوس إلى رسول الله وقالوا: “هؤلاء مَوالينا؛ فأحْسِن إليهم”. فقرر رسول الله أن يُفَوِّضَ الأمر لرجلٍ من الأَوْس؛ وهو سعد بن معاذ، فحَكَمَ فيهم سعد بأن يُقْتَلَ الرجال وَتُسْبَى الذرية وَتُقَسَّمَ الأموال. (سويدان،2022) وقد حقق رسول الله قانون تفويض السُّلطة بأحسن ما يمكن؛ حيث اختار للمهمة من يستحقها. وقد حَكَمَ بحُكم الله من فوق سبع سنوات كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
13- قانون الصورة:
يقول (ماكسويل): إن بعض التابعين قد يغفلون عن التعليمات المُوَجَّهة لهم، ولا ينتبهون لها، ولكنهم بكل تأكيد يحذون حَذْوَ القائد ويسيرون على خطاه. لذلك على القائد أن يحرص على مراقبة أفعاله، وأن يتخذ القرارات الصائبة مهما كانت صعوبتها، وأن يكون القدوة الحسنة لفريقه. ومن الأفكار التي تُحَسِّن القيادة بالقدوة:
الأتباع يتابعون دائمًا ما تفعله.
فِعْلُ الصواب أصعب من تعليمه، لكنة أكثر أثرًا على الأتباع.
يجب تغيّر أنفسنا قبل الآخرين.
بعد صلح الحديبية التي كان من بنودها أن يرجع النبي وأصحابه للمدينة دون أداء العمرة هذا العام، ويعود لأدائها في العام المقبل، قال النبي لأصحابه بعد كتابة العهد: (قوموا فانحروا ثم احلقوا)، وكررها ثلاثًا، فما قام منهم أحد؛ وذلك لِشِدَّةِ هَمِّهِم وحُزنهم. فدخل -عليه الصلاة والسلام- خيمة زوجته أم سلمة وهو يقول: (هَلَكَ المسلمون)، وأخبرها بما حدث. فقالت له: هل تُحِب أن يُطيعوك يا رسول الله، فقال: نعم. قالت: اخرج ولا تُكَلِّم أحدًا حتى تَنْحَرَ هَدْيَكَ، وتَحْلِق رأسك، فَفَعَلَ ذلك، فلما رأوا فِعْلَ النبي قاموا فنحروا وحَلَقَ بعضهم بعضًا (سويدان،2022). يتحقق في هذا الموقف ما قاله (ماكسويل): “أن فعل الصواب أصعب من تعليمه، إلا أنه أكثر أثرًا”.
14- قانون الإقناع:
على الرغم من أهمية استراتيجية القائد وثَبَات خطواته وتأثيرها على إقناع الآخرين به وبرؤيته، إلا أن شخصيته هي المُحَرِّك الأساسي لعملية الإقناع؛ فالناس يتبعون القادة الأكْفاء، الذين يؤيدون قضايا يمكنهم الإيمان بها؛ فالقائد الجيد يجد الحُلم أولًا، ثم الأتباع، بينما الناس يجدون القائد أولًا، ثم الحُلم. فيقاس نجاح القائد بمدى قدرته على الوصول بالأتباع إلى الغاية التي يجب أن يَصِلوا إليها، ولكنه لا يستطيع ذلك إلا إذا اقْتَنَعَ الأتباع بالقائد أولًا.
كان حُلم رسول الله ورؤيته واضحة أمام عينيْه، وكان يسعى لها منذ وقتٍ مبكر من بعثته، ولكنه لم يجد من مكة وأهلها مكانًا مناسبًا لتحقيق هذا الحُلم، فبحث عن مكان آخر كالطائف والمدينة، فعَرَضَ رسول الله الأمر على أهل المدينة المنورة في بَيْعة العقبة وقَبَلوه. وأصبح -عليه الصلاة والسلام- القائد الذي يملك الحُلم والأتباع. وفي المدينة فقد وجد أهلها القائد الذي من خلاله سيحققون الحُلم، فيجمع شتاتهم، وَيُوَحِّدُ صَفَّهُم. فأصبح أهل المدينة الأتباع الذين وجدوا القائد ثم الحُلم. فَوَضَعَ الرسول أول لَبِنَةٍ لإنشاء الدولة الإسلامية، مُحتَرِمًا التنوع العِرقي والديني بها (السويدان،2022).
15- قانون النصر:
يُشير (ماكسويل) إلى أنه من الرائع أن تكون قائدًا جيدًا، ولكنه ليس كافيًا ما لم تُحَقِّق النصر، وما لم تحقق أهدافك. يجب على القائد أن يمتلك الشغف تجاه النصر، والرغبة في تحقيقه، مهما كان الوقت والجهــــــــــد الذي يتطلبـــــــه؛ فالقادة المنتصـــــــــــرون قــــــــــد يختــــــلفــــــــون في الصفات وفي المواقف القيادية، إلا أنهم يشتركون في شيءٍ واحد؛ وهـــــــــو عــــــــــــدم الاستعـــــــــــــــداد لتَقَبُّل الهزيمة؛ فالقادة العِظام يجدون طريقةً للفوز، ومن أهم عناصر النصر:
وحدة الرؤية،
تنوع المهارات،
دفع الأفراد لتحقيق النصر.
لم تكن رؤية الرسول التي شَغَلَت ذهنه من النوع العادي والبسيط، بل هي الوقود الروحي للقيادة، ولم يَثْبُتْ أنه حَادَ عن رؤيته قِيْدُ أُنْمُلَة طيلة مسيرة دعوته. ولم تكن المصائب التي تَعَرَّضَ لها حَجَر عَثْرة، بل كانت امتحانات تزيده إصرارًا وثباتًا، وبسبب وضوح رؤيته وعُمقِها أمامه وأمام أتباعه فقد رفض كل المُغريات التي حاولت أن تَثْنِيه، وبَذَلَ -عليه الصلاة والسلام- الوقت والجهد لتحقيق شغفه بالنصر (علي،2018). وهنا تَحَقَّقَ أول عنصرٍ وَضَعَهُ (ماكسويل) في قانون النصر وهو (وحدة الرؤية).
رغم التحديات التي واجهت المسلمين، إلا أنه كان يجد طريقه للنصر عامًا بعد عام. وكان لتنوع شخصيات أتباعه ومهاراتهم دور كبير في إنجاز المهام؛ فمنهم القوي كعلي بن ابي طالب، ومنهم الشديد كعمر بن الخطاب، ومنهم السخي كعثمان ابن عفان، ومنهم من يملك الدهاء والفطنة، كعمرو ابن العاص، ومنهم خبير الحرب كخالد بن الوليد (خالد،2000). وهنا تحقق العنصر الثاني في قانون النصر وهو (تنوع المهارات).
ولم يتوقف النصر بوفاة رسول الله، بل اندفع أتباعه من بعده في طريق النصر والفتوحات. وهنا تحقق العنصر الثالث في قانون النصر؛ وهو (دفع الأفراد لتحقيق النصر) (علي،2018).
16- قانون القوة الدافعة:
عند امتلاك القائد للأدوات والأشخاص إلا أنه لا يُنجِز فإنه قائد غير فعَّال، ويجب عليه البحث عن القوة الدافعة. فهي تشبه العدسة المُكَبِّرة؛ حيث يجعل الأشياء تبدو أكبر من حجمها الحقيقي، وهي تجعل القادة يبدون أفضل مما هم عليه حقًّا، وتساعد التابعين على الأداء بشكلٍ أفضل، وهي مسؤولية القائد، وتبدأ داخله أولًا، ثم يستخدمها لأجراء التغير.
كانت غزوة الأحزاب شديدة الوقع على المسلِمين؛ فقد اجتمع عليهم الكفَار واليهود ومَنْ تابعهم، وحاصروا المدينة، واضطر المسلمون إلى حفر الخندق حول المدينة لحمايتها، فيقول حذيفة بن اليمان: في ليلة الأحزاب أخذتنا ريحٌ شديدةٌ وَقَرٌ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا رجل يأتيني بخبر القوم؛ جعله الله معي يوم القيامة…). فلم يُجِبهُ أحد وكررها ثلاثًا، إلا أنه لم يُجِبهُ أحد على غير العادة لشدة الحال الذي كانوا عليه من مَشَقةٍ وَتَعَب. فقال -عليه الصلاة والسلام-: (قُم يا حُذيفةُ، فَأْتِنا بِخبرِ القومِ). فما فَعَلَهُ رسول الله بمهمة التجسس على العدو هو تكبيرها؛ حيث حوّلها من مهمة عسكرية إلى مفتاح لدخول الجنة برفقته -عليه الصلاة والسلام-. مما جعلها قوةً دافعةً حركت اليمان لإنجاز المهمة.
وقد استخدم رسول الله قانون القوة الدافعة في تحسين الوضع الاجتماعي للمسلمين، في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (من نفّس عن مؤمن كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نفَّس الله عنه كُربةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومن يَسّر على مُعْسِرٍ، يَسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سَتَر مُسلِمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عَوْنِ العبد ما كان العبد في عَوْنِ أخيه).
17- قانون الأولويات:
في بعض الأحيان لا يُحَقِّق القائد النتائج رغم أن الفريق يعمل بنجاح، إلا أنه بدون إنتاجية حقيقية، ويكون السبب هو عدم التركيز في الأولويات بشكلٍ صحيح. لذلك على القائد معرفة أولوياته كما عليه الخروج من مناطق ارتياحه مع البقاء داخل مناطق قوته. وهناك ثلاثة عناصر تُرشِدُ القائد الى أولوياته، وهي: (المطلوب – العائد – المكافأة).
ترك نبي الله موسى قومه لميقات ربه: ﴿وقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ﴾ الاعراف (142). وفي أثناء غيابه اتخذ بنو إسرائيل عِجْلًا صنعوه من حُلِيهِم صَنَمًا يعبدونه من دون الله. وحاول هارون كقائد أن يُعيدَهُم إلى عقيدة التوحيد: ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ طه (90). لكنهم لم يطيعوه. هنا استخدم هارون قانون الأولويات؛ حيث كان عليه أن يحافظ على وحدة بني إسرائيل تحت قيادته كأهم مهمة تركها له موسى -عليه السلام-: ﴿إنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ طه (94)، ثم بعد ذلك يُمكِن مُحاسَبَتهم على خَطَئِهِم العقائدي من قِبَلِ قائدهم ونَبِيهِم موسى -عليه السلام- (عياش،2018).
18- قانون التضحية:
هناك علاقة عكسية بين حجم المسؤوليات ومستوى حُرِّية القائد، فكلما كانت مسؤوليات القائد أكبر كانت مساحة الحُرِّية لديه أقل، وحجم التضحية الواجبة عليه أكبر؛ لتستمر عملية الإنجاز. ومن النقاط المهمة الواجب معرفتها عن قانون التضحية:
ليس هناك نجاح بدون تضحية،
القادة مطالبون بالتضحية أكثر من غيرهم،
التضحية عملية مستمرة وليست ثمنًا يُدْفَعُ مرة واحدة،
كلما كان مستوى القيادة أعلى كانت التضحية أعظم.
عندما نتحدث عن التضحية لا يمكن تجاوز شخصية القائد الراشد عثمان بن عفان الذي امتلأت حياته بالتضحيات. ولكن سنَعْرِضُ هنا موقفًا واحدًا وهو آخر تضحيةٍ قام بها. فعندما اشتد الحصار عليه في سنة 35 هـ، وَمُنِعَ عنه الماء ورغم محاولة الصحابة الكرام كَسْر الحصار بقوة السيف، واستعدادهم للدفاع عنه إلا أنه رفض أن تُراقَ دماء المسلمين بسببه، وكان رفض عثمان يشتد كلما أظهر أصحابه عزمهم في الدفاع عنه، فصار يناشدهم بما له عليهم من طاعة، فالتزموا الطاعة التامة لأميرهم حِرصًا على وحدة الصف، واحترامًا لقائدهم. وعندما اقتربت ساعة النهاية فدى عثمان الأمة بنفسه. وكان قراره قمة في الحكمة والرحمة والتضحية التي يمكن أن يقدمها قائد لأتباعه؛ فقد أوقف سيلًا من الدماء كاد أن يجري في مدينة رسول الله (السويدان،2019).
19- قانون التوقيت:
القائد الجيد يُدْرِكُ أهمية التوقيت، ويعلم جيدًا متى يمضي قُدمًا، ومتى يكون التراجع، وفي كل مرة يُقْدِمُ القائد على خطوة ما تكون هناك أربع نتائج محتملة -حسب رأي (ماكسويل)-، وهي كالتالي:
كارثة: إجراء غير صحيح في وقتٍ غير مناسب.
مقاومة: إجراء صحيح في وقتٍ غير مناسب.
خطأ: إجراء غير صحيح في وقتٍ مناسب.
نجاح: إجراء صحيح في وقتٍ مناسب.
يُعَدُّ خالد بن الوليد مثالًا أعلى ونموذجًا فذًا في القيادة العسكرية. خرج كجُندي في جيش المسلمين في أول حربٍ خارجية لهم، وهي غزوة مُؤتةٍ في عام ثمانية للهجرة؛ حيث كان قِوامُ جيش المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل مقابل مئتي ألف مقاتل من الروم وقبائل العرب. وأسند رسول الله القيادة لزيد بن حارثة وإنْ قُتِلَ فجعفر بن أبي طالب فإنْ قُتِلَ فعبد الله بن رواحة. وهنا إشارة من رسول الله أن هذا الجيش أمام مَهَمَّةٍ صعبة، ويجب عليه إنجازها.
التقى الفريقان وبدأت المعركة واستُشْهدَ القادة الثلاثة خلال ستة أيام من القتال، فدُفِعَت الراية لخالد بن الوليد لما عُرِفَ عنه من نبوغٍ ومهارةٍ قتالية. عَلِمَ خالد أن المعركة ليست متكافئة، وأن الانسحاب هو الحل الأنسب، فقام بحيلةٍ عسكريةٍ فريدةٍ من نوعها في اليوم السابع؛ حيث أمر مجموعة من الجنود الإقبال من خَلْفِ الجبال، وغيّر الميمنة للمَيْسرة، والمُقدمة للمُؤَخِرة، فَظَنَّ الروم أن مَدَدًا عظيمًا وصل لجيش المسلمين. هجم خالد بجيشه إلى أن اقترب من قلب جيش الروم، ثم أسرع بالانسحاب التكتيكي، فَحَسِبَ الروم أنها خدعة، ولم يلحقوا بالمسلمين ليعود الجيش للمدينة سالمًا لم يفقد أكثر من 13 شهيدًا (السويدان،2022). ورغم الانتقادات التي طالت خالد بن الوليد على ذلك، إلا أن رسول الله أدرك أنه قام بالإجراء الصحيح في الوقت المناسب، وهو ما يُسَمَّى النجاح -حسب قانون التوقيت لـ (ماكسويل)-. واستقبل الجيش خير استقبال، وأطلق على خالد بن الوليد لقب (سيف الله المسلول) (خالد،2000).
20- قانون النُّمُو المُتفَجِّر:
عند حصول القائد على أتباعٍ جَيِّدين ينمو عمله، ويتقدم وعند حصوله على أتباعٍ قادة فإن هذا النمو سيتضاعف. وأن يصبح القائد مُطَوِّرًا للقادة أمر يتطلب تركيزًا ذهنيًا وتركيزًا مختلفًا عن تطوير الأتباع؛ فالقادة الذين يطورون صفًّا ثانيًا من القادة يركزون على تطوير مهارات من يَخْلفهم في القيادة، ويعززون نقاط قوتهم، ويعاملون كل فرد بأسلوبٍ مختلفٍ مناسب له، ويستثمرون الوقت في الآخرين، ويرى (ماكسويل) أن تطوير القادة ليس بالأمر السهل، ويعود ذلك لثلاثة أسباب رئيسة؛ وهي:
صعوبة الحصول على القادة،
صعوبة تجميعهم،
صعوبة الاحتفاظ بهم.
نبي الله داوود الذي جَمَعَ بين المُلك والنبوة كان قد سبقه قائد ناجح، صنع الروح القيادية فيه؛ وهو المَلِك طالوت، وأن اختيار الشاب الصغير داوود لمبارزة جالوت ومجالدته، وكان قرارًا قياديًّا رشيدًا فقد اختار أحد النوابغ وكَلَّفَهُ بمهمةٍ قتاليةٍ صعبة ومحددة، وهكذا تكون تربية القائد للقائد، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، مُعتمِدًا على صفاته وسِماته وكفاءته. فالواجب على القائد أن يُعَيِّنَ في كل مهمةٍ الأصلح والأقدر عليها من بين التابعين؛ فقد بحث الملك طالوت عن الطاقات في القائد المستقبلي داوُدُ، وعمل على تنميتها وإبرازها، بذلك استفاد منه بأفضل ما يمكن مما رفع من مستوى أداء النبي داوود وكفاءته لتحقيق أهداف القائد. وبذلك دفعه للأمام ليكون قائدًا من بعده (الزومي،2018)
21- قانون الإرث:
من المهم أن يفكر القائد في الإرث الذي يرغب أن يتركه من بعده لفريقه، ففي يومٍ من الأيام سَيُلَخِّص الناس حياتك في جُملةٍ واحدة، فيجب علينا اختيار تلك الجُملة من الآن، لذلك على القائد أن يعيش التراث والإرث الذي رغب في تركه، وأخيرًا فإن القيمة الباقية للقائد تُقاس بوساطة إرثه الذي تركه، وَأَثَّرَ به على الآخرين.
يتصف نبي الله إبراهيم بصفاتٍ ربانية، وهناك مصطلح في القرآن الكريم ارتبط بالنبي إبراهيم وكأنه هو الإرث الذي يعنيه (ماكسويل) في قانونه؛ فقد عاش به ووصى به أبناءه وأتباعه والمسلمين إلى يوم الدين؛ وهو مصطلح (الحنيف)، كما في قوله -تعالى-:
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفًا﴾ النحل 120.
﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يهوديًّا وَلاَ نصرانيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا﴾ آل عمران 67.
﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ آل عمران 95.
﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًاۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ النحل 123.
الحنيف هو: المستقيم المتمسك بالإسلام الحق. (منصور،2019)
الدراسات السابقة:
بعد الاطلاع والبحث وتَتَبُّع ما كُتِبَ حول عنوان الدراسة فقد تَبَيَّنَ -في حدود علم الباحثة- عدم وجود هذا العنوان، ولم تَقِفْ الباحثة على أي دراسة ماجستير أو دكتوراه أو كتاب تناوله. ولكن توجد دراسات تناولت الموضوع من زوايا مختلفة، ومنها: دراسة نعام وآخرين (2021). التي هدفت إلى بلورة التصور حول القيادة التربوية؛ حيث تم التطرق إلى مفهوم القيادة التربوية في الإسلام، وأهم مبادئها الأساسية، وصفات القائد التربوي، وفق ما جاء في السيرة النبوية، وتوصلت إلى تحديد أهم الصفات التي ينبغي توفرها لدى القائد التربوي؛ حسب ما ورد في السيرة النبوية، وهي كالتالي: العدل، الحَزْم، اللين، الرحمة، التواضع، القُدوة، الشورى، العفو، التفويض، العِلْم، الصبر.
دراسة Gazi (2020)، التي تناولت القيادة ودورها في تحسين أوضاع البشرية في الدنيا والآخرة، ويتناول فيها الباحث القيادة من المنظور الإسلامي الذي تأسس من نصوص القرآن والسُّنَّة النبوية، وأظهرت نتائجها أن المفهوم الأساسي للقيادة الإسلامية هو تحقيق الأهداف التنظيمية، من خلال التوكل على الله، وابتغاء النجاح في الآخرة.
تؤكد دراسة Abdallah (2019) أن القرآن والسُّنَّة هما المصدران الأساسيان للمفهوم الإسلامي لدور القائد، ويتم التركيز على القيادة في العقيدة الإسلامية في كون القائد مُعَرَّضًا للمساءلة. ومن منطلق قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، إن القيادة في الإسلام متعددة المستويات، وينبغي تطبيقها من خلال مبادئ العدالة والأمانة والإصلاح والوفاء بالوعود، وتضع الدراسة نموذج القيادة الإسلامية أربعة أبعاد، وهي: الوعي بالله والكفاءة والشورى والاعتبارات، والتي بدورها تُحَفِّز العلاقة بين القائد والأتباع؛ لتتجاوز المصلحة الذاتية إلى استشعار المساءلة أمام الله.
دراسة علي (2018). التي هدفت إلى التعرف على خصائص القيادة في القرآن، والتمييز بين التصور القرآني لأسُسُ القيادة والتصورات البشرية. وتناولت أهم الأسُسُ والقواعد التي تعمل على نجاح القيادة والقائد إذا طبقها كما أمر بها القرآن الكريم بالشرح والتفصيل والاستدلال عليها بما ورد فيها من آيات الذكر الحكيم وتفسير هذه الآيات تفسيرًا إجماليًّا. وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج، أهمها:
إن أفضل أنماط القيادة هي القيادة القائمة على الشورى.
إن القائد الناجح هو الذي يسير على المنهج القرآني في قيادته، وسيكتمل ذلك بالسُّنَّة النبوية.
تناولت دراسة عبد المولى (2015) نظريات القيادة، وتجاوزت ترجمتها إلى تطويرها، مع مراعاة الخصوصية الإسلامية ومظاهر بصمتها الحضارية، من خلال أربعة عناصر، وهي: التحويلية والأخلاقية ومقاصد الشريعة والروحانية. وقد أثبت الباحث أن القيادة النبوية فاقت القيادة التحويلية بأشواطٍ كثيرة، لدرجةٍ جعلت من القيادة التحويلية جانبًا من جوانب القيادة النبوية.
أوجه الاتفاق والاختلاف بين الدراسة الحالية والدراسات السابقة:
تتفق الدراسة الحالية مع الدراسات السابقة في المنهج المُتَّبَع للدراسة؛ وهو المنهج الوصفي الاستقرائي، وتناول مفهوم القيادة في القرآن، وتسليط الضوء على نماذج القادة الواردة في القرآن والسيرة.
بينما تختلف الدراسة الحالية بربطها قوانين (ماكسويل) للقيادة بالقصص الواردة في القرآن والسيرة.
النتائج:
بعد الفحص والتدقيق استنتجت الباحثة أن:
كل قوانين القيادة التي ذكرها (ماكسويل) في كتابه (٢١ قانونًا لا تقبل الجدل في القيادة)، قد وردت في القرآن الكريم، أو السيرة المُشَرَّفَة، تلميحًا أو تصريحًا.
هذه الإشارات القرآنية نتج عنها قوانين إضافية لم يذكرها (ماكسويل)، ترتبط بالعقيدة والتوكل وعلاقة القائد بربه.
للقيادة في القرآن والسُّنَّة خصوصية تميزها عن غيرها من أنماط القيادة.
هناك ندرة في المؤلفات الإسلامية الرصينة، التي توصف وتؤطر القيادة وفقًا لمقتضيات الكتاب العزيز والسُّنَّة المطهرة.
المراجع
- إسماعيل، انس. (2023). القيادة في المنظور الإسلامي. جامعة بغداد.
- تفسير الطبري. المصحف الالكتروني. ksu.edu.sa/tafseer/tabary
- الجوري، نهاد. (2020). المنهج النبوي في بناء المؤسسة العسكرية القيادة الناجحة ومقومات إحراز النصر. جامعة الدفاع.
- حبلا، امين. (2023، 4\8) غزوة بدر الكبرى. https://www.aljazeera.net/politics/2023/4/8/
- خالد، محمد خالد. (2000). رجال حول الرسول. دار الفكر للنشر والتوزيع.
- داود، إبراهيم. (2016). دور القيادة لترقية الأداء الوظيفي من سيرة النبي سليمان -عليه السلام- في القرآن الكريم (دراسة تحليلية). جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية.
- زاهي، منصور. نعام، فوزية. (2021) القيادة التربوية في ضوء السنة. جامعة قاصدي مرباح ورقلة.
- الزومي، حسين. (2018). نظريات القيادة والنبي داود -عليه السلام-: دراسة تطبيقية من خلال القرآن الكريم. جامعة القصيم.
- سوبجاكي، معتز (2021، 11\6). الصفات القيادية لدى عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب (رضي الله عنهما) . https://ae.linkedin.com/pulse
- السويدان، طارق. (2019). عثمان بن عفان -رضي الله عنه-. الإبداع الفكري للنشر والتوزيع.
- السويدان، طارق. (2022). الرسول القائد. الإبداع الفكري للنشر والتوزيع.
- عبدالمولى، عصام. (2015). نظرية القيادة النبوية التحويلية. جامعة الشرق الأوسط.
- علي، عبد المحسن. (2018). أسس القيادة الناجحة في ضوء القرآن الكريم دراسة موضوعية. جامعة الازهر.
- عياش، بدر. (2018). صناعة الله للقادة في القرآن الكريم النبي موسى أنموذج دراسة تحليلية. جامعة الخليل.
- ماكسويل، جون سي. (2007). 21 قانون لا يقبل الجدل في القيادة. (مترجم). مكتبة جرير. (2017).
- مطوري، علي. (2013). الأزمة وطرق المعالجة في القرآن الكريم (سورة يوسف أنموذج). جامعة إيران الإسلامية.
- منصور، أحمد. (2019، 13\7). حنيفا. أهل القرآن. ahl-alquran.com
- المولى، عصام. (2015). نظرية القيادة النبوية التحويلية. جامعة الشرق الأوسط.
- Abdallah A, Citaku F, Waldrop M. (2019). Areview of Islamic Perspectives on Ieader ship. Agakhau University Hospital, Nairob Kenya.
- Amin, Muhammed. (2022).Inspiration of Womans leadership in the quran. State Institute of Islamic Religion.
- Beekun, Rafik. (1999). Leadership: An Islamic Perspective. Saint Marys University.
- Gazi, Abu Issa. (2020). Islamic perspective in management, foundation, traits and principles. The International University of Scholars.Bangladesh.
- Salleh, Mohamad. Masa’dah, Walid. (2018). Educational Leadership: An Islamic Perspective. Yarmouk University.