صفية بنت حمدان السيابية
أَدَّت برامج التلفزيون دورًا كبيرًا في نشر ثقافة الشعوب عبر الأجيال، بدءًا من ظهوره في الدُوَل الغربية وصولًا إلى الدُوَل العربية، كانت البرامج التي تُعرض على التلفاز تعكس واقع الدُوَل من حيث الثقافة والتقدم، حيث تميزت هذه البرامج بتنوعها في مجالات السياسة، الرياضة، الاقتصاد، والفن، وغيرها. ومع مرور الوقت، بدأ يظهر التلفزيون -أيضًا- أداةً فعَّالة في مجال التعليم، من خلال برامج تعليمية بدأت في الظهور بشكلٍ تدريجي، وحققت تأثيرًا ملحوظًا على مختلف الفئات العمرية.
يُعدُّ التلفزيون من العوامل المهمة في مجال التربية والتعليم والمعرفة، حيث يلعب دورًا بارزًا في تكوين الخِبرات المعرفية للأفراد. ومن المؤكد أنَّ ما يشاهده الفرد على شاشة التلفاز يؤثر بشكلٍ كبيرٍ في حياته اليومية وفي تطوير معرفته، وباختلاف المراحل العمرية، نجد أن التلفزيون قد أصبح أكثر جذبًا من قراءة الكتب أو الاستماع للبرامج الصوتية؛ إذ يحمل تأثيرًا واضحًا، سواءً من حيث الإيجابيات أو السلبيات في عملية التربية والتعليم؛ فهو يعكس ثقافة المجتمع، ويوفر معلوماتٍ وموارد تعليمية تُسْهِم في تكوين شخصية المتلقي، وفي الوقت ذاته قد يُسْهم في نشر معلومات مغلوطة أو سطحية، إذا لم يتم انتقاء المحتوى بشكلٍ دقيق.
هل يمكن اعتبار التلفاز شريكًا في تربية الطفل، ويُمَثِّلُ دورًا في تشكيل الأسرة وبناء المجتمع؟ وهل يمكن للبرامج التلفزيونية تغيير نظرة الأبناء لتوجهات الأب التربوية، وثقافة الأم التعليمية، أو طريقة شرح المعلم للدرس؟
نستطيع إدراك أهمية شراكة التلفزيون في حياة الأسرة بشكلٍ عام؛ إذ يؤثر بشكلٍ مباشر على جميع أفرادها، وتشير دراسة المشرفية (2023) التي أُجريت في سلطنة عُمان إلى قياس تأثير برامج القِيَم العُمانية على الذكاء الأخلاقي للأطفال، حيث تم تنفيذ الدراسة على أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 6 سنوات، وشارك فيها 30 طفلًا في المجموعة التجريبية، و30 طفلًا في المجموعة الضابطة، استخدمت الباحثة صورتيْن لقياس سلوك الأطفال قبل وبعد التجربة. وتم عرض برامج مخصصة لتعليم القِيَم العُمانية بمعدل 16 جلسة تدريبية خلال 8 أسابيع، بمعدل ساعة واحدة لكل جلسة، وقد أظهرت نتائج الدراسة تحسنًا ملحوظًا في الذكاء الأخلاقي للأطفال لصالح المجموعة التجريبية التي تابعت البرامج التعليمية المتعلقة بالقِيَم العُمانية مقارنةً بالمجموعة الضابطة التي لم تُعْرَض عليها هذه البرامج.
لا يخفى على أحدٍ التأثير الكبير الذي يمارسه التلفزيون على المجتمع؛ إذ لا يقتصر هذا التأثير على المجال التربوي والتعليمي فحسب، بل يمتد ليشمل مجالاتٍ: علمية، سياسية، واجتماعية. يُظهِرُ التلفزيون قدرته الفائقة على التأثير في تشكيل الرأي العام، حيث يُعَد أداةً قويةً في إيصال الأخبار والمعلومات بسرعةٍ وفعالية، بالإضافة إلى نشر ثقافة الشعوب، وإذا كان لهذا التأثير أن يكون بهذا الحجم في مجالاتٍ أخرى، فإن تأثيره في مجال التربية والتعليم يمكن أن يكون أكثر فاعلية إذا تم استغلاله بشكلٍ جيد.
فكيف يمكن أن تكون قوة تأثير برامج التلفزيون في مجال التربية والتعليم؟
وفي هذا السياق، أشارت دراسة عبد الغني (2014) إلى أهمية تحديد الأهداف التعليمية بشكلٍ دقيق قبل الشروع في إعداد أي برنامج تربوي، حيث تم التأكيد على ضرورة تخطيط هذه الأهداف من قِبَل مختصين تربويين؛ وذلك لتفادي تأثيراتٍ غير مرغوب فيها قد تترتب على عرض المحتوى، كما أكدت الدراسة على أهمية شمول الأهداف التعليمية لجميع الجوانب، سواءً كانت تربوية، معرفية أم معلوماتية، لضمان تحقيق التأثير الإيجابي المرجُوّ.
لا شك أن التلفاز يُعَدُّ واحدًا من أكثر الوسائل تأثيرًا في مجال الإقناع التربوي، من خلاله، يتمكن مقدمو البرامج من التأثير في فئاتٍ واسعة من المجتمع، حيث يُمكنهم توجيه الرأي العام وتحفيز الأفراد على تَبَنِّي أفكارٍ مُعَيَّنة والتمسك بها، بل والدفاع عنها. تظهر قوة هذا التأثير عندما يتمكن مقدم البرنامج المتخصص في المجال التربوي من معالجة قضايا تربوية مهمة، سواءً على المستوى المحلي أم العالمي.
من خلال هذه البرامج، يتمكن المشاهدون من استكشاف وجهات نظر مختلفة، والتفاعل مع القضايا المطروحة عبر النقاشات، مما يُسهِم في تحسين سلوكياتهم التربوية والتعليمية؛ فالتلفاز لا يقتصر فقط على تقديم المعلومات، بل يُصبِح منصةً لتوجيه المشاهدين نحو السلوكيات الصحيحة من خلال البحث، الاستقصاء، وعرض الحلول المناسبة للمشاكل التربوية.
على سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى تأثير التلفزيون في تغيير مفاهيم العديد من الأُسَر حول تعليم بناتهم في المدارس والجامعات؛ فقد كانت هناك العديد من المسلسلات، والأفلام المحلية، والبرامج المُوجَّهة التي ناقشت قضايا التعليم وأهمية إتاحة الفُرَص التعليمية للفتيات، مما أسهم في تغيير توجهات الأُسَر لصالح التعليم، وتم تخصيص برامج تربوية تهدف إلى تثقيف أولياء الأمور بأساليب التربية الحديثة، وذلك بأسلوبٍ مباشر وغير مباشر. هذه البرامج لم تقتصر فقط على زيادة الوعي، بل أسهمت في تحسين نظرة أولياء الأمور تجاه التعليم ودوره في تشكيل مستقبل الأبناء.
هل يجد التلفاز إقبالًا بين المتعلمين؟
غالبًا ما يجد التلفاز إقبالًا هائلًا من الطلاب في الجامعات، ويتم متابعة البرامج التلفزيونية التي تتناسب مع ميولهم وهواياتهم، لا سيَّما في مجالات الرياضة والفن. ومع تزايد هذا الإقبال، يصبح من الممكن توجيه هذا الاهتمام نحو البرامج التعليمية؛ حيث يجد الطلاب أنفسهم أكثر قُدرةً على متابعة محتوى تعليمي مُمتِع ومُفيد في حال تم تقديمه بطريقةٍ شيقةٍ وجذابة.
وعليه، ينبغي على التربويين الاستفادة من هذا الإقبال الواسع على التلفاز من خلال تقديم برامج تعليمية تدمج بين الفائدة والمُتعة، يجب أن يكون المحتوى التعليمي مُصممًا بشكلٍ يتناسب مع اهتمامات الطلاب ويحفزهم على التفاعل، بحيث يتم عرض الأفكار والنظريات بطُرُقٍ مبتكرة، تُسهِم في جذب انتباههم وتحفيزهم على التعلُّم؛ وذلك بتوفيره لوسائل مرئيةٍ سريعةٍ ومتنوعة. يمكن أن يكون أداةً قوية لتعزيز التعليم إذا تم استغلاله بشكلٍ فعّال، وبتحقيق التوازن بين الاستفادة الترفيهية والفائدة التعليمية، مما يزيد من دافع الطلاب للتعلُّم ويُنَمِّي من مهاراتهم الفكرية.
سلبيات التلفاز في التعليم:
لا يخلو التلفاز من بعض السلبيات النفسية والعقلية والتربويّة التي قد تؤثر على المتعلميــــــــن، والتـــــــي تتمثـــــــــــــــــــــــل في النظريــات التربويــــــــــــــــــــــــــة غير الصحيحــــــــــــة، أو معلــــــــومــــــــــــــاتٍ غير دقيقة قد تكون بعيدةٍ عن طبيعة المجتمع المحلي، بالإضافة إلى المحتوى التربوي القديم أو المنسوخ، الذي قد لا يتناسب مع التطورات الحديثة. ومع تعدد هذه السلبيات، إلا أنه يمكن التغلب عليها، والتقليل من تأثيراتها السلبية عبر طرح البدائل المناسبة.
أحد الحلول الفعّالة هو التأكد من صحة ومصداقية المحتوى التلفزيوني التعليمي قبل بَثَّهِ ومتابعته، وذلك من خلال التحقق من المصدر الرئيسي له، وسنة الإنتاج. كما يُنصَح بعدم بَثَّ أو متابعة أي محتوى قديم قد يفتقر إلى الدِّقة أو التحديثات اللازمة؛ لضمان تقديم محتوى تعليمي مناسب وملائم.
ما الفائدة المرجوة من البرامج التلفزيونية التعليمية؟
لا يخفى على المجتمع فوائد التلفاز منذ ظهوره وانتشاره؛ حيث يُعَدُّ مصدرًا مُهِمًّا للمعلومات والترفيه، ومع ذلك، يمكن أن تتفاوت الفائدة التي يجنيها الأفراد من هذه البرامج، بل قد تنعدم في بعض الأحيان. من وجهة نظر الكاتبة، يمكن أن يعود ذلك إلى عدة أسباب، من أبرزها: رقابة أولياء الأمور على المحتوى الذي يشاهده أبناؤهم، بالإضافة إلى انتقاء القنوات المحلية التي تُقدِّم برامج تعليمية هادفة.
أيضًا، يلعبُ المختصون في مجال التعليم دورًا كبيرًا في مراقبة المحتوى المُقدَّم من خلال التلفاز، والتأكد من جودته وملاءمته للمعايير التربوية، ويجب أن يبذل هؤلاء المختصون أقصى جهدهم في تقديم برامج تعليمية تتميز بالمحتوى التعليمي الشيِّق والمفيد، مما يُسهِم في إبراز فائدة التلفاز كأداةٍ تعليميةٍ فعّالة، ويجب أن تكون هذه البرامج قابلة لإعادة البث عند الحاجة، دون أي قيود؛ لضمان استفادة أكبر عددٍ من المشاهدين.
أهمية البرامج التلفزيونية في التعليم:
يمثل التلفاز وسيلةً قوية، تعكس الواقع؛ بفضل ما يقدمه من مُحتوىً مُصَوَّر بالصوتٍ والصورة، إلى جانب تمثيل الشخصيات الحقيقية التي تُضفي على البرامج طابعًا واقعيًا. يتنوع التلفاز في طُرُق التواصل بوسائل متعددة، مثل: الحوار، والمناقشة، والتعليق الصوتي، والتمثيل، مما يُتيح تجاوز الحدود الزمانية والمكانية؛ أي يمكن للبرامج التلفزيونية التعليمية أن تعكس واقعًا زمنيًا أو تراثيًا بصورة حَيَّة، سواءً من العصور القديمة أم الحديثة.
تتميز البرامج التلفزيونية التعليمية -أيضًا- بتقديم أفضل محتوى تعليمي، مع القدرة على التحكم في وقت العرض؛ بما يتناسب مع المشاهد، كما تلعب هذه البرامج دورًا كبيرًا في جذب انتباه المتعلم؛ إذ تُثير حماسه للمتابعة والاستفادة من خلال الإخراج الفني، الذي يوظِّف عددًا من الوسائط المتعددة، مثل: الرسوم والصُّوَر المتحركة، ممَّا يُعزِّز من فعالية التعليم، ويجعل المحتوى أكثر جذبًا.
ولزيادة فاعلية هذه البرامج التعليمية، اقترحت دراسة عبد الحليم (2020) بعض الحلول التي يمكن أن تُسهِم في تحسين جودتها، من بين هذه المقترحات: أَخْذَ رأي عينةٍ كبيرةٍ من المتعلمين في مختلف المحافظات حول الوقت الأنسب للبَثّ، بما يتوافق مع آرائهم وتوجهاتهم، كما تم اقتراح إشراك عددٍ من الطلاب في البرامج التعليمية للتفاعل مع المعلم ومحاورته، مما يساعد في التغلب على مشكلة التفاعل المحدود.
في دراسة قام بها “الزعبي” (2019) حول “دور التلفاز في تحسين نتائج التعليم عن بُعْد”، تم التوصل إلى أن البرامج التعليمية عبر التلفزيون تؤثر بشكل إيجابي في تحفيز الطلاب على متابعة المحتوى التعليمي؛ حيث كانت الإشارات التي تلقتها العَيِّنَة تدعم فكرة أن برامج التلفاز يمكن أن توفر بيئةً تعليميةً مرنةً وجذابة، كما يمكنها أن تسهم في تقليل الفجوة بين الطلاب في المناطق النائية وبين المدارس الحضرية. كما أوصى الباحث باستخدام تقنيات حديثة، مثل: التعلم التفاعلي، والتقييم الفوري؛ لتعزيز فعالية هذه البرامج في تحسين مستوى التحصيل العلمي للطلاب.
المراجــــــع:
- الزعبي،(2019).دور التلفاز في تحسين نتائج التعليم عن بعد. مجلة التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد.
- عبد الحليم،(2020). أثر البرامج التلفزيونية التعليمية في تطوير مهارات الطلاب: دراسة ميدانية. المجلة العربية للتربية والتعليم.
- المشرفية،(2023). قياس أثر برامج القيم العُمانية على الذكاء الأخلاقي للأطفال-سلطنة عُمان. (دراسة ميدانية). المجلة العُمانية للدراسات التربوية.
- عبـــد الغــــــــــــني، ع.(2014). دور التلفـــــــــــــــــــــــــــزيون التعليمي في تحقيق أهداف التعليم: دراسة تحليلية. المجلة العربية للدراسات التربوية، 10(2)، 45-60.