

د.فــلاح الســويـري
عضـو هيئة تدريس، الهيئــة العامـة للتعليم التطبيقي والتدريب، الكويت
المسرح هو مرآة المجتمعات، وحامل رسائلها، وأحد أهم أدوات التعبير الثقافي التي عرفها الإنسان عبر العصور. وفي الخليج العربي، نشأ المسرح كمبادرةٍ ثقافيةٍ وفنية، تمزج بين التراث الشعبي والتحديات المعاصرة، مما جعله يلعب دورًا محوريًا في نشر الثقافة وتعزيز الهُوِيّة الخليجية. ومع تطور الزمن، أصبح المسرح الخليجي أحد أعمدة المشهد الثقافي في المنطقة، مؤديًا أدوارًا متعددة في التنوير والتوعية والتسلية.
ولعب المسرح الخليجي دورًا رئيسيًا في الحفاظ على الهُوِيَّةِ الثقافية والتراث الشعبي؛ فقد قَدَّمَت العديد من الأعمال المسرحية موضوعاتٍ مستوحاةً من البيئة الخليجية، سواء في نصوصها، أو لهجتها، أو في ديكوراتها وأزيائها، مما أتاح للجمهور فرصةً للتواصل مع جذوره الثقافية. هذا الدور أصبح أكثر أهمية مع تسارع العولمة التي أدت إلى تراجع بعض المظاهر الثقافية التقليدية. ومن خلال المسرح، تَمَكَّنَ الفنانون الخليجيون من إعادة سرد الحكايات الشعبية، وعَرْضِ القِيَم الأخلاقية، والعادات التي شَكَّلَت نسيج المجتمع الخليجي.
وأَسْهَمَ المسرح الخليجي في مناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية المُلِحّة بأسلوبٍ فني مُمتِع، مما جعله وسيلةً فعالةً لنشر الوعي والتأثير في الرأي العام. فقد تناولت العديد من المسرحيات قضايا، مثل: التحديات البيئية، ودور المرأة في المجتمع، ومشكلات البطالة، والتعليم، والفساد. والنقد السياسي، ومن خلال السخرية أو الدراما الجادة، واستطاع المسرح جذب انتباه الجماهير إلى هذه القضايا، مما يعكس قدرته على تقديم رسائل هادفة بطريقةٍ فنية، وعلى سبيل المثال، نجد العديد من الأعمال المسرحية التي قُدِّمَت في الكويت وقطر، مثل أعمال عبد الحسين عبدالرضا، وغانم السليطي، التي ناقشت قضايا اجتماعية وسياسية، بأسلوبٍ يمزج بين الكوميديا والنقد الهادف. هذه الأعمال لم تكن فقط وسيلةً للتسلية، بل كانت دعوةً للتفكير والتغيير.
ولا يقتصر دور المسرح الخليجي على الترفيه، بل يمتد ليشمل التعليم والتنوير؛ فقد استُخْدِمَ المسرح في دول الخليج كأداةٍ لتقديم رسائل تعليمية وتوعوية بطريقة مبتكرة ومؤثرة. مسرح الأطفال -على سبيل المثال- أصبح أداةً لنقل القِيَم الأخلاقية والمفاهيم التعليمية بطريقةٍ تجذب الصغار، وتترك أثرًا في نفوسهم. كما استُخْدِمَ المسرح المدرسي لتعزيز الإبداع، وتنمية القدرات الفكرية لدى الطلاب.
وَيُعَدُّ المسرح الخليجي جسرًا يربط بين الثقافات المختلفة، حيث يُقَدِّم صورةً عن الثقافة الخليجية للعالم الخارجي، وفي الوقت نفسه يُتِيحُ الفرصة للجمهور الخليجي للتعرف على ثقافاتٍ أخرى من خلال المهرجانات والفعاليات المسرحية. مهرجان المسرح الخليجي، على سبيل المثال، يُعَدُّ منصةً للتواصل الثقافي بين دول الخليج، حيث تقدم الفرق المسرحية أعمالها لتعكس التنوع الثقافي داخل المنطقة.
تحديات المسرح الخليجي
على الرغم من الأدوار العظيمة التي يؤديها المسرح الخليجي، إلا أنه يواجه تحدياتٍ عِدَّة. من أبرز هذه التحديات الرقابة المُسبَقة على النصوص، وقلة الدعم المالي الذي قد يحد من إنتاج أعمالٍ ذات جودةٍ عالية، وغياب البنية التحتية المسرحية في بعض الدول، وقلة الاهتمام الجماهيري بالمسرح مقارنةً بوسائل الترفيه الأخرى، مثل: السينما والتلفزيون. بالإضافة إلى ذلك، يواجه المسرح تحديًا في جَذْبِ الشباب الذين قد لا يرون فيه وسيلة ترفيهٍ جذابة مقارنةً بالمنصات الرقمية الحديثة.
ورغم التحديات، يمتلك المسرح الخليجي فُرَصًا واسعةً للنمو والازدهار. مع تزايد الاهتمام الحكومي بالثقافة والفنون في دول الخليج، يمكن أن يشهد المسرح طفرةً جديدة. الاستثمار في بناء مسارح حديثة، وتطوير الكوادر الفنية، وتشجيع الكتابة المسرحية، كلها عوامل يمكن أن تعزز من مكانة المسرح في المشهد الثقافي الخليجي.
والمسرح الخليجي هو انعكاسٌ لروح المجتمع وتطلعاته، وهو وسيلةٌ فعالة لنشر الثقافة وتعزيز القِيَم الاجتماعية. من خلال أعماله التي تجمع بين التراث والمعاصرة، يُسهِمُ المسرح في بناء هُوِيَّةٍ ثقافية متجددة تلبي احتياجات الحاضر دون أن تنسى جذور الماضي. ومع الدعم المناسب، يمكن للمسرح الخليجي أن يستمر في أداء دوره كمنارةٍ ثقافيةٍ وفنية تُلْهِمُ الأجيال القادمة، وتُغْني المشهد الثقافي في المنطقة والعالم.
Related Posts