الثقافة العُمانية في اليونسكــو

الثقافة العُمانية في اليونسكــو
مراجعة: منصور بن محمد الحسني يَكْشِفُ الكتاب عن عُمْقِ التجربة الثقافية العُمانية وحضورها المتوازن في المحافل الدولية، لا سِيَّما ضمن إطار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعِلْمُ والثقافة (اليونسكو)، حيث يعكس هذا الحضور الهُوِيَّة الحضارية المتميزة لعُمان، ودورها في إبراز القِيَم الإنسانية المتأصلة في تاريخها، وتسليط الضوء على مكانة سلطنة عُمان في التراث العالمي، والمفردات الثقافية العُمانية المدرجة في المنظمة، ومناقشة آلية استثمار تلك المفردات ثقافيًّا واقتصاديًّا. ويُبْرِزُ الكتاب قدرة عُمان على تسجيل عددٍ من عناصرها الثقافية ضمن قوائم التراث العالمي، وهو ما يُظهِرُ التزامها بِصَوْنِ إرثها الثقافي والتفاعل الإيجابي مع الجهود الدولية في هذا المجال. ووفقًا لما يقدمه الكتاب، فقد تمكنت سلطنة عُمان من تحقيق تَفَوُّقٍ عربي من خلال تسجيل ست شخصيات تاريخية ضمن قائمة الشخصيات المؤثرة عالميًا، إلى جانب إدراج ثلاثة عشر عنصرًا من التراث الثقافي غير المادي في القائمة التمثيلية للتراث الإنساني، سواءً كانت هذه العناصر ذات خصوصية عُمانية خالصة، أم نتاج شراكةٍ مع دولٍ عربية أخرى. كما نجحت في تسجيل خمسة مواقع أثرية ضمن قائمة التراث المادي العالمي، وهو ما يعكس ثراء الإرث الحضاري لعُمان، وتميزه على المستوييْن الإقليمي والدولي. غير أن الكتاب يشير إلى تحدٍ قائم يتمثل في تأخر سلطنة عُمان في تسجيل تراثها الوثائقي ضمن سجل “ذاكرة العالم”، حيث لم يُدْرَجْ حتى الآن سوى ملفٍ واحد فقط. ومع ذلك، فإن الجهود المبذولة مستمرة في هذا الصدد، حيث تعمل الجهات الثقافية على إعداد ملفات جديدة تسعى من خلالها لتعزيز الحضور العُماني في هذا المجال، ما يعكس إدراك سلطنة عُمان لأهمية التراث الوثائقي في حفظ الذاكرة الإنسانية، وَصَوْنِ الهُوِيَّة الثقافية للأجيال القادمة. أُعِدَّت هذه الموضوعات استنادًا إلى أوراق عمل تناولها الباحثون في ندوة الثقافة العُمانية التي أُقيمت في اليونسكو بتاريخ 27 فبراير 2023م، بالتعاون بين الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء بالتعاون واللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم. اعتمدت الأوراق على مجموعةٍ غنية ومتنوعة من المصادر، التي أسهمت في تعزيز محتوى الندوة، وتقديم رؤية شاملة عن التراث الثقافي العُماني. من بين هذه المصادر، نجد قائمة قلاع وحصون عُمان التي توثق أبرز المعالم التاريخية والمعمارية، مما يعكس عُمْق الهُوِيَّة الوطنية وتراثها المتنوع، وقائمة مواقع التراث العالمي في سلطنة عُمان، التي تُظهِرُ المواقع المُسَجَّلَة دوليًا وأهميتها ضمن السياق العالمي للتراث الثقافي. في الجانب القانوني والإداري، استندت الأوراق إلى قانون التراث العُماني الصادر عن وزارة العدل والشؤون القانونية، والذي يوضح الإطار القانوني لحماية التراث الثقافي. كما استلهمت الموضوعات من المبادئ التوجيهية لاتفاقية التراث العالمي الصادرة عن مركز التراث العالمي لليونسكو في عام 2017م، حيث تضمنت هذه المبادئ معايير التسجيل وآليات الحفاظ على المواقع التراثية ذات القيمة الاستثنائية. أما فيما يتعلق بإدارة المواقع التراثية، فقد تمت الاستفادة من خطة إدارة موقع واحة وقلعة بُهلا بمحافظة الداخلية التي أصدرتها وزارة التراث والسياحة عام 2010م، بالإضافة إلى اللائحة التنظيمية لموقع قلعة بُهلا الصادرة بقرار وزاري رقم 81/2019، والتي وضعت أُسُسًا واضحة لتنظيم وحماية الموقع بما يتماشى مع متطلبات منظمة اليونسكو. كما اعتمدت الأوراق على المرجعية الدولية من خلال اتفاقيةٍ لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي التي أقرها المؤتمر العام لليونسكو في دورته السابعة عشرة عام 1972م، حيث تُعد هذه الاتفاقية أساس الجهود الدولية في حماية التراث الثقافي والطبيعي. بجانب ذلك، شكلت التقارير المُحَدَّثة الصادرة عن وزارة التراث والسياحة – دائرة التراث العالمي لعام 2023م عنصرًا مُهِمًا في إثراء الأوراق بالمستجدات الوطنية المرتبطة بتسجيل المواقع التراثية وإدارتها. تناول الباحثون في هذا الكتاب مجموعة من الموضوعات المختلفة، منها: “الثقافة العُمانية في اليونسكو في 50 عامًا” للدكتور محمود بن عبدالله العبري،  تناقش هذه الورقة أبرز محطات التعاون المشترك بين سلطنة عُمان ومنظمة اليونسكو في المجال الثقافي منذ الانضمام عام 1972م،  أما الورقة الثانية فكانت عن “التراث العُماني لأجل سياحةٍ مُستدامة: فُرَصٌ وتحديات” للدكتور حمد بن محمد المحرزي، تطرق إلى ذكر أهمية التراث العُماني في تعزيز السياحة المستدامة؛ حيث ركز فيها على التراث العُماني بكل مكوناته الملموسة وغير الملموسة، مثل المعالم الأثرية والعادات والفنون. كما ناقش مفهوم السياحة التراثية التي تعزز الاتصال بالماضي، وَعَرَضَ الفُرَصَ المتاحة لتنمية السياحة المستدامة عبر استثمار التراث الثقافي العُماني. في ذات الوقت، أشار إلى التحديات التي قد تعوق ذلك، مثل: الحفاظ على البيئة، وحماية الهُوِيَّة الثقافية. واختتمها بتقديم استراتيجيات تهدف إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على التراث العُماني، وتنمية السياحة المستدامة. أما الورقة الثالثة فجاءت بعنوان: “الثقافة العُمانية باليونسكو في سياق المنجز الثقافي العربي خلال نصف قرن (1972-2022م)”، للدكتور  حميد بن سيف النوفلي، سَلَّطَ الضوء فيها على ما أنجزته الدول العربية في توثيق تراثها الثقافي باليونسكو بكافة أنواعه، والاتفاقيات الثقافية التي صادقت عليها. في حين الورقة الرابعة للباحث منذر بن عوض المنذري، بعنوان: “التراث الوثائقي العُماني في ذاكرة العالم باليونسكو” رَكَّزَ فيها على جهود سلطنة عُمان في برنامج “ذاكرة العالم” التابع لليونسكو، متناولًا ثلاثة محاور رئيسية: الأول يستعرض جهود سلطنة عُمان في حفظ التراث الوثائقي، والثاني يتحدث عن اللجنة المُشْرِفَة على مشاركتها في البرنامج، والثالث يركز على زيادة الوعــــــــي بالبرنامـــــــــــج على المستـــــــويات المحليــــــــــــة والإقليميـــــــــــة والعــــــــالميـــــــة، بالإضافة إلى خاتمةٍ تتضمن أهم النتـــــــــائج والتوصيــــــــــات. أما الورقــــــة الخامســـة للباحثة مريم ابنة سعيد البرطمانية فقـــــــد تناولـــــــــــــت: “المِنَــــــــــــــح البحثية للشباب باليونسكو: مشروع طريق الحرير أنموذجًا”، وتطرقت الورقة البحثية إلى تجربة الحصول على مِنْحَةٍ بحثية من اليونسكو للباحثين الشباب ضمن إطار طريق الحرير، حيث اختير عنوان البحث: “طريق الحرير البحري من القرن 11-15 ودوره في التقارب الحضاري العُماني الصيني من خلال رحلتي عبدالله الصحاري وتشنغ خه”. تناولت الورقة مراحل التقديم وآلية الحصول على المنحة، إلى جانب خطوات البحث ومنهجيته، وأهدافه، ونتائجه، وأبرز التوصيات التي توصلت إليها الباحثة، وذلك في سياق المِنَح البحثية المُمَوَّلَة التي تُعَدُّ وسيلةً مبتكرة لدعم الباحثين الشباب وتشجيعهم على مواكبة المتطلبات العالمية، وجاءت الورقة الخامسة بعنوان: “نظام الري (الأفلاج) في قائمة التراث العالمي” للمهندسة شيخة بنت حمود المالكية،  سَلَّطَت الورقة الضوء على إدراج خمسة أفلاج عُمانية ضمن قائمة التراث العالمي خلال الاجتماع الثلاثين للجنة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو في يوليو 2006م بجمهورية ليتوانيا. يُعبِّر هذا الإدراج عن الأهمية الدولية لنظام الأفلاج كأقدم هندسة رَيِّ في المنطقة، أبدعها العُمانيون، وما تزال تمثل المصدر الرئيسي لمياه الرَّيّ في سلطنة عُمان. تشمل الأفلاج المدرجة: فلج دارس، وفلج الخطمين، وفلج الملكي بمحافظة الداخلية، وفلج الميسر بمحافظة جنوب الباطنة، وفلج الجيلة بمحافظة جنوب الشرقية. تقع الأفلاج الأربعة الأولى حول سلسلة جبال الحجر الغربي، والخامس ضمن سلسلة جبال الحجر الشرقي. تستعرض الورقة مُكَوِّنات القيمة العالمية الاستثنائية لهذه الأفلاج وترابطها الوثيق، إلى جانب آليات الإدارة والحفاظ عليها، وحدود المواقع ومناطق الحماية الخاصة بها. كما تتناول الجهود المبذولة والإنجازات المُحَقَّقَة في حماية وتنمية وتطوير هذه المواقع المُدْرَجَة على قائمة التراث العالمي، وأخيرًا جاءت الورقة الأخيرة بعنوان: “التراث الثقافي المادي في اليونسكو: قلعة بُهْلا نموذجًا”، تناولت الباحثة م. خالصة بنت خليفة بن عبدالله السالمية في ورقتها التراث المادي الغني الذي تزخر به سلطنة عُمان، والذي يشمل المعالم التاريخية والمواقع الأثرية مثل القلاع والحصون والأفلاج والجوامع والأبراج والحارات العُمانية. وأبرزت جهود سلطنة عُمان في الحفاظ على هذا التراث من خلال الترميم والتوثيق والتسجيل، مستشهدةً بتوقيعها على اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي التابعة لليونسكو عام 1981م. كما استعرضت الورقة نجاح سلطنة عُمان في إدراج مواقع بارزة على قائمة التراث العالمي، بدءًا من قلعة وواحة بُهلا عام 1987م، ومواقع بات والخَطْم والعين عام 1988م، إلى مواقع أرض اللبان عام 2000م، والأفلاج الخمسة عام 2006م، وأخيرًا مدينة قلهات الأثرية عام 2018م. ركزت الباحثة في الورقة على التحديات التي تواجه مواقع التراث العالمي العُمانية، خاصةً قلعة بُهلا، واقترحت حلولًا لتحسين إدارتها وحمايتها من التهديدات المتزايدة. والجـــدير بالذكـــــــــــــــر أن سلطنـــــــــــة عُمان نجحــــــــــت مؤخــــــــــــرًا في إدراج برنامــــــــــــج سفينـة التدريب الشراعي “شبــــــــــــاب عُمـــــــــــان” للسّلام والحوار الثقــــــــــــــــافي المُستــــــــدام ضمن قائمة أفضــــــــــل ممارســــات الصون للتراث الثقــــــــــافي غير المــــــــــــــــادي للإنســـــــــــــــانية في منظمــــــــة الأمم المتحــــــــــــدة للتربية والعِلْــــــم والثقــــــــــــــافة (اليونسكو)، وقد تم تسجيـــــــــــــل البرنامـج كملفٍ وطـــــــــــــــــــــني بــــــــاســـم سـلطنــــــــــــة عُـمـــــــــــــان فـــــي 5 ديسمبر 2024، ليصبح أول برنامج من نوعه يُسجل باسم عُمان في هذه القائمة التي تعكس أهداف ومبادئ اتفاقية 2003م لصون التراث الثقافي غير المادي.