د. عائشة بنت حمد الدرمكية
عضوة مجلس الدولة، أستاذة مساعدة في الجامعة العربية المفتوحة. مسقط
تُعدُّ السيميائيات أحد المنهجيات الحديثة التي تنظر إلى العلامات باعتبارها مؤسسة للحياة التواصلية
(1) والاستدلالية والتأويلية
(2) للنَّصِّ؛ فالشيء لا يمكن أن يمثِّل علامة “إلاَّ إذا أوَّله أحدهم على أنه علامة على شيءٍ ما”
(3)، وبالتالي فإنه ليس كل ما ننتجه من حركات أو إشارات أو صُوَر أو أصوات أو غير ذلك علامة، إلاَّ إذا كان ضمن علاقات دلالية تواصلية، قادرة على إنتاج تأويلات ذهنية ضمن إدراك الحواس أو ما يسميه أمبرتو إيكو
(4) (جهاز الالتقاط الإنساني).
ولهذا فإن إدراك الحَوَاس يمايز بين مجموعة من العلامات وفق القنوات الحِسِّية التي تُستَخدم في بثهــــا، وهــــــــــــي: (الشَّمِّيَّـــــــــــــــة، واللمسيــــــــة، والذوقية، والبصرية، والسمعية)، غير أن هذه القنوات في إنتاجها للعلامات وتأويلها، لا يمكن أن تقدِّم تمثيلًا للصُّوَر الذهنية للعلامة ما لم يتأسس وفق مجموعة من القنوات التي يقسمها توماس سيبوك
(5) إلى مادية (سائل، وصلب)، وطاقة (كيميائي، وفيزيائي)، وهي قنوات تُسهم في فهم العلامات وتأويلها.
ولأن الشعراء يستخدمون العلامات الحِسِّيَّة بأشكالها المختلفة من أجل “تمثيل تصوُّر ذهني معين له دلالته وقيمته الشعورية”
(6)، فإن هذه العلامات تقدِّم صُوَرًا قادرة على إلهاب الحواس، وإيجاد تعالقات ضمن البنية النصية، وبالتالي انفتاحه على تأويلات قادرة على الانطلاق نحو سُنَنٍ واحتمالات دلالية ضمن الوظيفة العلاماتية في مسارها السيميائي، تظهر من خلال العلامات الحِسِّية الشعرية، والمرتبطة بحالات الإدراك التي تتحوَّل في سياقاتها وأنماطها اللغوية إلى صُوَرٍ شعرية مرتكزة على الحِس الإدراكي.
وانطلاقًا من ذلك فإنَّ مدونة أبي مسلم البهلاني
(7) نهجت في تمثيل العلامات الحِسِّية في نصوصها الشعرية منهجًا يربط البنيات اللغوية والحِسِّية الإداركية، وفق مجموعةٍ من الأنساق التي قدَّمت (العقل، والبصر، والشم وغيرها) في تمثيلات ذهنية وحِسِّية إدراكية قابلة للتشكيل والتأويل، ضمن أشكالٍ مختلفة من الصور الشعرية، التي مثَّلتها بوصفها علامات تبادلية وعلاقات متداخلة، سواءً أكانت مع ذاتها، أم موضوعها أم مُؤَوّلها، ولهذا فإن هذه الدراسة محاولة لِتَتَبُّع تلك العلامات، وسياقاتها، وتمثيلاتها ضمن الصور الشعرية التي تقدمها، من خلال تحليل نماذج من المدونة الشعرية لأبي مسلم البهلاني.
أولًا: مدخل نظري (سيميائيات الحواس والنص الشعري):
يقوم إنتاج النصوص على مجموعةٍ من السُّنَن
(8) والعلامات التواصلية، التي تستند إلى تركيبات قائمة على (الشيفرات
(9))؛ إذ “لا وجود لخطاب مفهوم خارج عمل الشيفرة”
(10). إنها تلك الممارسات المألوفة لدى مستخدمي العلامات ضمن الإطار الثقافي الواسع، والتي يُعتمد عليها في المنظومات الدالة وبناء العلاقات والسياقات
(11) الخطابية التي تؤسس النص أيًّا كان نوعه.
وَتُعَدُّ علامات (النظام الحسي الإدراكي) من أبرز الشيفرات الاجتماعية التي تتميَّز بالاعتماد على (سياق المقام)؛ إذ تنهل من الثقافة المجتمعية والحضارية، فمن خلال هذه الشيفرات تنبني الهُوية ويتشكَّل الإحساس والإدراك، فتبرز القِيَم والافتراضات الدلالية، وأشكال رؤية العالم وإدراكه وتحوُّله إلى علامات حِسِّيَّة تحاول تشييد صُوَرٍ متداخلة ذات علاقات مركَّبة، ولهذا فإن هذه الشيفرات في بنائها النصي تتركَّب ضمن مجموعة من العلامات والشيفرات التي تُولِّد أشكال جديدة من الصُّوَر تعتمد على نتائج ذلك التركيب والتأليف المتداخل.
فمعاني الألفاظ وما توحي به من دلالات تؤسس الصُّوَر الشعرية، تصنع عالمها في ذهن المتلقي اعتمادًا على التخييل وإعادة البناء لتلك المدارك الحِسِّيَّة التي تقوم على مرجعياته الثقافية والاجتماعية، فالإدراك الحِسِّي الذي تعتمد عليه الصُّوَر في النص الشعري، يعتمد على ذلك الإحساس والعلاقات بين الألفاظ ومدى قدرتها على إعادة التشكيل والبناء للحِس الذي يتحوَّل ضمن علاقاته النصية إلى فِعْلٍ تأويلي ضمن المدركات الحِسِّيَّة.
إن الحواس في علاقاتها النصية تشترك في بلورة المعنى
(12) والتأويل
(13) الذي تُحِيلُ إليه من خلال العلاقات الجديدة التي تشكِّلها الألفاظ داخل النص وتَنْتُج في صُوَرٍ قادرةٍ على إحداث تأثيرٍ ليس فقط على مستوى النص، بل -أيضًا- على مستوى التخييل، وعلى هذا الأساس فإن “الصورة الفنية لا تُثير في المتلقي صُوَرًا بصرية فحسب، بل تثير صُوَرًا لها بكل الأحاسيس الممكنة، التي يتكون منها نسيج الإدراك الإنساني في ذاته…”
(14) ، فهي صُوَرٌ ومتواليات مرتبطة بمرجعياته الثقافية وإمكانات التأويل التي يمكن أن يؤسِّسها اعتمادًا على ذلك الإحساس الذي يتلقاه.
ويُعرَّف الإحساس بأنه “أخذ صورة المدرك بنحو الأنحاء وكل حاسة تدرك محسوسها، أما محسوسها فبالذات وأما عدم محسوسها كالظلمة للعين، والسكوت للسمع وغير ذلك”
(15)، والحواس الخمس تنقسم إلى قسمين:
الحواس الظاهرية، وتنقسم إلى :
ما يتم من خلاله الشعور بالمحسوس عن طريق الاحتكاك المباشر، ويتمثل في حاستيْ اللمس والذوق.
ما يتم فيه نقل الإحساس بالمحسوس من دون الاحتكاك به احتكاكًا مباشرًا، ويتمثل في حواس السمع، والنظر والشم.
الحواس الباطنية، والتي تُدْرَكُ بالشعور والحِس المشترك والخيال، مثل حاسة الشعور بالرضى، وحاسَّة الشعور بالاطمئنان وغير ذلك.
(16)
ويُفرِّق علماء النفس بين (الإحساس) و(الإدراك الحِسي)؛ بأن الإحساس “لا يزودنا بالمعرفة، وليست له قيمة معرفية، والإحساس هو انتقال التأثير من المستلم الحِسي إلى شبكة الأعصاب المركزية بعد الاحتكاك بالمحسوس”
(17)، ولذلك فهو رد فعل داخلي إزاء إثارات خارجية عبر شبكة الأعصاب المختلفة، بينما الإدراك الحسي، هو مرحلة إنتاج العلامات من خلال تفسير تلك الأحاسيس وتأويلها عبر عمليات ذهنية أو نفسية يتم ضمنها “بلورة أو صياغة معانٍ للتجارب الحِسِّية، ويستطيع الإنسان عن طريق ذلك إدراك الأشياء والعلاقات القائمة بينها”
(18).
إن هذا الإحساس وتلك المدركات الحِسِّية تظهر في النصوص عامة والنصوص الشعرية بشكل خاص من خلال تلك العلاقات اللسانية والوظيفية والدلالية التي تربط بينها لإنتاج علامات صُوَرية قائمة على الحواس وتشكلاتها وقدرتها على بناء روابط تعتمد على السياقات الثقافية، بحيث تصبح الحواس وأجزاء الجسد سياقًا ثقافيًّا لذلك الإنتاج، ومدى قدرته على تشييد تأويلات مفتوحة معتمدة على القِيَم والافتراضات وضروب (رؤية العالم)، لذا فإن النص الشعري يعتمد على الحواس في قدرتها على بناء ذلك التشييد من ناحية، وإمكانات إنتاج العلامات الصُوَرية من خلال:
– حاسة اللمس:
“اللمس ملامسة الحاسة للمحسوس، والقدرة على إدراكه والتواصل إلى ترجمته ومعرفته، وهو يأخذ طريقه عبر آلية شائعة عضوها منتشر في بدن الإنسان، وليست وقفًا على عضوٍ خاص”
(19)، فالعلامات الإدراكية هنا تعتمد على الجسد في إنتاج صُوَر بناءً على الملموس، وما يقدمه من تشكيلات حِسِّية (الخشونة واللين، أو الصلابة والطرواة وغير ذلك)، وبالتالي فإن إنتاج العلامات اللمسية ليس بالضرورة إنتاجًا مستقلًا، بل سيعتمد على علامات إدراكية أخرى، كالمسافات، خاصةً في صُوَرِ (الهجر واللقاء).
– حاسَّة الذَّوْق:
“الذوق هو إدراك طعوم المواد المُذاقة، واللسان أداته الخاصة به…”
(20)، وهذا الإدراك في الشعر لا يتم سوى من خلال استدعاء الشاعر للألفاظ الدالة على فِعْلِ التذوق، من ثم إنتاج علامات ذات معانٍ مجردةٍ قريبةٍ إلى فهم المُتلقي؛ ليستطيع من خلالها تشكيل علامات إدراكية ورمزية بناءً على الصُّوَرِ الشعرية التي يقدمها الشاعر.
– حاسَّة الشَّمِّ:
“الشم حقيقة إدراك معنى المشموم، تتم العملية بعد استنشاق الإنسان الروائح التي تصل إلى الأنف…”
(21)، وبذلك فإن الشاعر يستطيع من خلالها بناء صُوَرٍ على ما يمكن شمَّه، فهي علامات إدراكية يستخدمها الشاعر من أجل تشكيل تصورات شمَّية؛ لتنقلها من دلالتها الحقيقية إلى الدلالة الرمزية في تحوُّل الصُّوَرِ الشعرية وإعادة بناء تشكلاتها.
– حاسَّة السَّمْع:
“الأصوات مادتها الألفاظ وخاماتها، وهي من الناحية الفيزيائية أمواجٌ تحتوي على تضاغطٍ وتخلخل، والصوت مادةٌ تحتاج إلى وسط ينقلها؛ لأنها لا تنتقل في الفراغ…”
(22)، ولذلك فإن المدركات السمعية تعتمد على استحضار أصوات من المحيط الإنساني العام، والاستعانة بها من أجل إنتاج علامات يستخدمها الشاعر في تشكيل الصُوَر الشعرية.
– حاسَّة البصر:
“البصر حاسةٌ آلتها العيْن … وتعمل العيْن على رؤية الجسم، ويتم ذلك آليًّا بعد وقوع الضوء عليه”
(23)، فالصورة البصرية تُعَدُّ من أقوى المدركات الحِسِّيَّة في اعتمادها على نقل التجارب الخارجية وتحويلها إلى صُوَرٍ قادرة على إيصال صُوَرٍ إدراكية، فتُجسِّد المعنى وتُكثِّف الدلالة، هكذا سنجد أن الصُّوَرَ الشعرية القائمة على البصر تتشكَّل وفق مجموعة من المعطيات التي تبني التجربة باعتبارها تشكُّلًا ثقافيًّا له أبعاد بصرية ممتدة نحو الأُفُق الرحب، فتتولَّد بذلك تأويلات قادرة على الولوج من الحقيقي إلى المجاز.
إضافةً إلى ذلك فإن العلاقات التي تبنيها تلك الحواس لا تعتمد على حاسة واحدة؛ فغالبًا ما تقوم الحواس على مجموعة من البناءات المتداخلة وفق خصائص التجاور والتشابه والتناسق والإحاطة، لتؤسس علاقات جديدة ضمن المدارك الحِسِّيَّة، أو ما يُسَمِّيه دانيال تشاندلر بـ (التنظيم الإدراكي)، الذي يُعيد “قراءة العالم المحسوس”
(24)، وبالتالي إعادة قراءة الصُّوَر التي يُنتجها، ولهذا فإن هذه العلاقات تنتجها ضمن روابطها ما يسمى بـ (تراسل الحواس)
(25) ؛ وهو “تعبير يدل على المدرك الحِسي، أو يصف المدرك الحسي الخاص بحاسة مُعيَّنة بلغة حاسة أخرى، مثل إدراك الصوت، أو وصفه بكونه مخمليًّا أو دافئًا أو ثقيلًا …”
(26).
لهذا فإن إنتاج العلامات الشعرية الصُوَرية يرتبط بالإدراك الحِسي والحواس من خلال سيرورة الإدراك والقدرة اللغوية التي يعتمد عليها النص الشعري؛ فتلك السيرورة تقوم بأدوار التشييد الوظيفي والدلالي، وإعادة بناء مدركات الصُوَر وفق نظام حِسي قائم على السياقات الثقافية، ومُنفتِحٌ على آفاقٍ تأويلية قادرة على إنتاج علامات ذات أدوار نصيَّة مغايرة، وبالتالي فإن المدركات الحِسِّية تنشأ من خلال تلك العلاقات التي تُنتجها السيرورة ضمن نظامها النصي، فتظهر في صُوَرٍ شعريةٍ مرتكزةٍ على الحِس الإدراكي.
ولأن الشعراء يتميَّزون بالقدرة على التصوير
(27)من خلال إنتاج مجموعةٍ من الصياغات التي تعتمد على الحواس، فإنهم يحوِّلونها إلى مشاهد حِسِّية، وهذا ما دَفَعَ العديد من النقَّاد إلى تصنيف تلك الحواس إلى بصرية وسمعية وتذوقية وشمية ولمسية، فـ “كل الحواس في العمل الفني تقوم على خَلْقِ فِعْلِ المشهدية؛ إذ المتلقي يشاهد الأفعال والحركات والسلوكات ويُدرك ما غاب وما حضر، وما كان مجرد خاطرة…”
(28) ، لذا فإن الصورة في الشعر تَبْرزُ نتيجةً لتعاون كل الحواس وكل المَلَكات، ولا ترجع قيمتها إلى أنها تُحاكي الأشياء أو تجعلنا نتمثلها من جديد، و”إنما ترجع قيمتها إلى أنها تجعلنا نرى الأشياء في ضوءٍ جديد، وخلال علاقاتٍ جديدة، تخلق فينا وعيًا وخبرةً جديدة”
(29)، وهذا ما برع فيه شاعر مدونة الدراسة، الذي استطاع إبراز الصُّوَر الحِسِّية الإدراكية وفق نمطٍ لغويٍ قادر على التمثيل البصري والذوقي والشمي، بل والروحي والإدراكي؛ فيقول مثلًا في قصيدة (مديح الشاي):
“قد أَكْثَرَ الناسُ في الشاهي مدائحَهُم ولستُ أذكُرُ فيه فوق ما أَجِدُ
طعمٌ ولونُ وتفريجٌ وطِيبُ شذا ونشوةٌ حيَّ عنها الرُوح والجسدُ
فاشْرَبْهُ صِرفًا ولا تخلط به لبنًا فالصِّرف أولى وذا المخلوط مُنتقَدُ”
(30)
ثانيًا: أنماط إنتاج علامات الحواس في مدونة أبي مسلم البهلاني.
- الوحدات التوليفية لعلامات الحواس:
هذه الوحدات تأتي وفق تصنيفات أمبرتو إيكو ضمن (البرهنة البسيطة)، التي تعتمد على الاستدلالات السيميائية
(31) المُحتملة القائمة على مجموعة من الخيارات السياقية، فهي وحدات تشمل “اللغة اللفظية وحركات الأبجدية الحركية…” وغيرها
(32)، ولهذا فإن الحواس تقع ضمن هذه الوحدات في تلك العلامات التي تنتجها وفقًا للإسقاطات الدلالية التي ترسمها الحدود الثقافية والتخييل، والتي تظهر بوصفها أنماطًا قادرةً على بناء علاقات داخل النص، تنتج تراتبية تنبني عليها العلامات الصُوَرية، وتتأسَّس وَفْقَهَا الصُّوَرُ الشعرية.
ولهذا فإن الوحدات التوليفية في نصوص المدونة تظهر في تلك العلاقات التي تبنيها العلامات الحِسِّية ضمن حالات التحوُّل وبناء تدرُّج وتتابع بين الحواس والانفعالات والمشاعر؛ باعتبارها علامات تناظرية قادرة على إحداث الإدراك وتشكيل كيانات متناسقة مع الكون الجسدي الذي تعتمد عليه الحواس، ليستطيع النص من خلال بناء العلاقات تأسيس (كيان وسطي) يُبلغنا عن كائنٍ صُوَرِي جديد. إنها الصُّوَر التي يؤسسِّها النص وينتج من خلالها علاماته الخاصة، يتَّضح ذلك من خلال مجموعةٍ من الوحدات التوليفية التي قدمتها المدُّونة، والتي اتخذت تقنياتٍ محددة في بناء مدلولاتها وإنتاج علاماتها الحسية، وهي:
– الإرجاع:
وهي تلك التقنية القائمة على الإطار المرجعي؛ ذلك لأن “كل علامةٍ هي علاقة إرجاع”
(33)، وبالتالي فإن إنتاج العلامات الحِسِّية يعتمد على العلاقات التبادلية
(34) التي تقيمها مع بنيات النص في سبيل إيجاد صُوَرٍ قادرةٍ على التعبير والتدليل؛ ففي نص (قصيدة عتاب):
“وَلَقِيـــــــــتُ وجهـَــــــــــكَ بالبشـــــــــــــــــــــــــــا شــــــــــــــــةِ وهـــــــي أطــــــراف الرِّمـــــــــــــاحْ
وعلمـــــــــــــت أنـــــــــــــــــــــــــــي أتَّقيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــكَ بكُلِّ جِدٍّ أو مِـــــــــــــــــــــــــزاحْ”
(35)
تقوم الوحدات التوليفية (لقيت / النظر)، و(الوجه / الصورة)، (البشاشة / فعل الإدراك)، على بناء علاقات مع العلامات اللغوية لتُنتِجَ ضمن المرجعيات الثقافية مجموعةٍ من التوليفات في:
علاقة البشاشة بـ (أطراف الرماح).
عــلاقــــــــــــة الاتقـــاء/البُعـــــــــــد بــــــ (الجــــِد والمــــــــــزاح) باعتبارها وسائل تواصلية.
وهذه العلاقات تؤلِّف نسيجًا من الإدراكات الحِسِّية، التي تشكِّل تماسًّا بين فِعْلِ النظر والبشاشة، وتشكيل صورةٍ تَخَيُّلية بين تأثير البشاشة ووحدة أطراف الرماح باعتبارها إسقاطات دلالية، فَفِعْلُ الإرجاع هنا لا يقوم على العلاقة اللفظية، بل على العلاقة الحِسِّية التي تفرض فعل (الاتقاء) بكل وسائله. إن هذه الصورة التخيلية في تأسيسها ترتبط بالإدراك والتواصل وقدرة العلامات الجسدية على إنتاج صُوَرٍ قائمةٍ على فِعْلِ الإرجاع والتشابه.
إن العلامات الجسدية باعتبارها حِسِّيَّة تستجيب لفعل التواصل عبر تلك المسافة التي يؤسِّسها الجسد، سواءً أكانت قُربًا أم بُعْدًا، لتشكِّل في بناء علاقاتها مع اللغة والتخييل أشكالًا انتقالية، لا يمكن أن تُحدث أثرًا ما لم يكن هناك وحدة لغوية قادرة على بناء علامات تصويرية قائمة على ما يسميه يوري لوتمان بـ (الفعل الكَوْني)
(36) ، الذي تعتمد عليه سيمياء الكَوْن في إيجاد أنساقٍ قادرةٍ على تأسيس وحدة تصويرية تعتمد على أثر تلك العلامات الجسدية وقدرتها على إيجاد أنساق كَوْنية متكاملة ذات سُنَنٍ تسمح بتفكيك شفراتها وتركيبها.
فالبناءات التي تعتمد عليها مدونة الشاعر في تشكيل العلامات الحِسِّيَّة القائمة على الجسد كله، تعمل اعتمادًا على فعل المسافة، وتتخذ منها أساسًا تتشكَّل وفقه الصُّوَر الشعرية التخيُّلية، وتبنِّي أدواتها اللغوية في تنظيمٍ قادرٍ على الانفتاح التأويلي من ناحية، وتمثيل لسيرورات تعتمد على الحِسِّيَّة من ناحيةٍ أخرى، لذا فإن العلامات هنا ترسم صُوَرها وفقًا لفعل الإدراك التواصلي والتفاعلي مع الآخر (المحب أو غيره)، وسنجد أن نصًّا مثل (جواب لبعض أدباء عُمان):
“أحِبّتنــــــــــــا ما البُعدُ شيئــًــــــا نَطِيقُهُ ولكنه من جُملةِ الحُكم في الأزلْ
أحِبّتنـــــــــا ألبـــــــــــــــابنــــــــــــا تستطيـــــــــــــــــــرهـــــــــــــــــا إليكم علاقات الصفاء ولا تســــــــــلْ
بنا ظـمـــــــــــأُ اللُّقيـا ونارٌ من الأســــــــــى ولولا التأسي ذاب من حرِّها الجبلْ”
(37)
يعتمد على الفعل الكَوْني (البُعد / اللُّقيا)، الذي يمثِّل نسقًا مفتوحًا على العوالم الحِسِّية، وما تشكِّله من رمزيات تحدث تمفصلات (علاقات الصفاء)، و(ظمأ اللقيا)، وكذلك (ما البُعد شيئًا نطيقه)، و(نار من الأسى)، والتي تعتمد على إرجاع الحالات الحِسِّية إلى الكوْن العام للجسد، لتتشكَّل وَفْقَهُ مجموعة من العلاقات القائمة على ثنائية البُعد والقُرب في اختزالٍ لمنظومة العلامات الناشئة ضمن الفعل الحِسي نفسه؛ ذلك لأن العلامات الحِسِّية للجسد تقوم أساسًا على تلك المنظومة، وتبني ضمنها وظائفها الإرجاعية؛ بُغية تحقيق صُوَرٍ شعرية قائمة على التجرية الحِسِّيَّة.
والعلامات الجسدية في مدونة الشاعر تعتمد في حالات الإرجاع، كذلك على الوصف العام للجسد، وقدرته على بناء علاقات تبادلية بين الجسد والإحساس وربطهما بتمثلات البُعد والقُرب، وذلك من خلال تفكيك شفرة الجسد، وتحويله إلى نسيجٍ منسجم من العلامات الحِسِّية التي ترتبط بالمحسوسات التواصلية، وقدرتها على الإدراك ضمن المرجعيات الثقافية والاجتماعية، لتؤسِّس تلك العلامات صُوَرًا ذات نظامٍ رمزي قائم على البُعد الجسماني للحواس؛ ففي نص (ساحر الطرف):
“ساحـِــــــــــــرُ الطـــــــــــــرْفِ سَقِيـــــــــــــمٌ جَفْنُـــــــهُ قَمَـــــــــــــــــــــرِيُّ الوَجْــــــــــــــــــــه لَيْليُّ الشَّعَــــــــــرْ
ناحــِـــــــــــــــلُ الخَصْـــــــــــــــــرِ ثقيــــــــــــــــــــــلٌ رَدْفُـــــــــــــــهُ مــــــــــــائــــــــــس القـــــــدِّ رُدَيْـــــــــــــــــنِيُّ الخطــــــــرْ
نافـــــــــــــــــــرٌ عـــــــــــــــــــني وقلـــــــــــــــــــــــــبي سكْنُــــــــــــــــــــهُ صفـــــــرة الودِّ إذا قـال غَـــــــــــــدَرْ”
(38)
تتأسَّس العلامات الجسدية بدءًا من وصف البصر والجَفْن والوجه والخَصْر والقَد، وانتهاءً بفعل التواصل الإرجاعي الذي يقوم على الإحساس، فـ (نافر عني) التي تدل على البُعد، و(وقلبي سكْنُه) الدالة على القُرب، تعتمد على تشييد موضعي من حيث السيرورة النصيِّة، والتجريد الحِسي الذي يمثِّل (التركيب الموازي)، ولهذا فإن العلامات الجسدية في حالات الإرجاع تقوم على فعل (التزامن)
(39) بين الجسد باعتباره علامات حِسِّية وبين الفعل التواصلي الذي يربط المتلقي من ناحية، والفعل الحِسي من ناحيةٍ أخرى، وتؤسِّس بذلك علاقات زمانية، تتخذ تتابع تزامني مع العلامات البصرية والإحساس والعواطف.
– الإحالة:
في حالات الإحالة يُراد “إثبات حالة شيء في عالم ما”
(40)، وفي النص الشعري فإن هذا الإثبات يتخذ مجموعة من حالات التجريب في عالم تخييلي حالم، ولهذا فإن الإحالة التي تتم في علامات الحواس تقوم على ذلك؛ اعتمادًا على حالات الإرجاع التي تُحْدِث دائرة تصوير تجعل من الحواس مركزًا أساسيًّا لإنتاج صورةٍ ذات مدلولٍ قابلٍ للتأويل، في علاقة متبادلة بينها وبين صُوَر الاستدلال التي يمكن أن تُنتِجَها تلك العلامات.
إن علامات الحواس هنا تعمل وفق برنامجٍ شعري يمارس سُلطة الحواس في رؤية العالم، وتأسيس عوالم محسوسة تُنتِجُ مجموعةً من الدلالات والقِيَم والمرئيات، التي تجعل منها علامات بصرية أو لمسية أو سمعية أو شميَة قادرة على اختراق عوالم تخييلية، تربط بين العالم الداخلي للحواس والعالم الخارجي الذي يربط بينها وبين الصُّوَر المُتخيَّلة، ولهذا سنجد أن العلاقات بين العلامات البصرية واللمسية في النص، تقوم على تشكيل الصورة الحِسِّية وفق معطيات التقابل بين الإدراك والمُتخيَّل، وذلك بناءً على التمايز الذي تُحدثه تلك التقابلات، ففي قول الشاعر في نص (حنين جاهلي):
“أبانــــــت سـُـــــــــرورَ القلــــب منها بِبَيْنِها وَجَدَّت بطيِّ البيد في نشْرِ أحزانِ
كـــــــــأنَّ ظِــــــــــــــلالَ الأنــــــــــس لمَّا تقلَّصـــــــــت طـــــــــــــوتهـا بأيديـها قِلاص كعقبـــــــــــــــــانِ
…….
كـــــأنَّ سقيــــــــــــط الدمع من عَبَراتِنــــــــا علــــــــــــــى عاتقينــــــا نثر دُرٍّ ومرجـــــانِ
فَوَلَّــــــــــت بها ما بـــــــــــــي وقلبـي وقلبُها وتقتُلني سِحرا بأدعج فتَّانِ”
(41)
نجد أن التقابلات بين (أبانت سرور القلب/الابتسام)، وبين (نشر الأحزان) في الصورة الأولى، التي تنفتح على علامات اللمس (طوتها بأيديها)، في محاولة لإحالة عوالم التخييل بالحواس التي تشترك في إنتاج صورة إدراكية تتقابل مع الصورة البصرية الأولى (كأن سقيط الدمع من عَبَراتِنا)، وهي صورة جزئية تحيل إلى كُل جسدي في (فولَّت)، وهي حركة جسدية حسيَّة تأخذ الصورة إلى فضاء روحي.
هكذا -أيضًا- سنجد في القصيدة الميمية (وطني) في قوله:
“تزاحم في روعي لها شوقٌ وإلهٍ وصبرٌ، وآنَّ الصبرِ أن لا يُزاحمُ
إذا لاح برقٌ سابقته مدامعي وَلَيْتَ انطفاء البرقِ للغرب عاصمُ
لئن خانني دهري بشحط معاهدي فقلبي برغم الشحط فيهنَّ هائمُ
وإن هُيام القلب فيها وقد نَأَت وسائِل في شرع الهَوى ولوازمُ
فيا لفؤداي، ما التَّبارح والجوى فَعَلْنَ؟ إذا ازدادت عليه اللوائمُ”
(42)
إذ تتخذ الصُّوَر قوالب تقابلية تحيل إلى إمكانات العلامات الحِسِّيَّة البصرية في إنتاج صُوَر إدراكية تتقابل مع العلامات الروحية، للوصول إلى ما يسميه تشاندلر بـ (الثبات الإدراكي)، وهذا ما يحيل الإرجاع إلى سلسلة الصُّوَر الحِسِّية في (لاح برقٌ) و(سابقته مدامعي)، لإنتاج الأثر الروحي والنفسي في (هُيام القلب). إن هذه الصور تتخذ أدوات تركيبية قائمة على إمكانات إحالة العلامات الحِسِّية إلى ما يمكن أن تُنتِجُه من علامات ضمنية، فالعلامة اللغوية (اللوائم) تحيل إلى علامة حِسِّية سمعية، تُعبِّر عن إحالات ثقافية ضمنية.
- استنباط علامات الحواس:
يُعَدُّ الاستنباط أقصى حالات (البرهنة المعقدَّة)؛ إذ يعتمد “استنباط التعبير في أكثر الأحيان في اللحظة نفسها التي يتم فيها لأول مرة تحديد المضمون”
(43)؛ ذلك لأن هذا التعالق بين التعبير والمضمون تُحدده السُّنَن في طور التأسيس، إلاَّ أن الاستنباط يتميَّز بأنه قد يبقى غير دالٍّ، وهذا يعني -كما يقول إيكو- “رفضه أو عدم إمكانيته أن يدل”
(44)، الأمر الذي يجعله يحمل خصوصية القدرة على (استثارة التأويل).
وفي الحَوَاس فإن الأمر يتعلق بإمكانات ارتباطها بالمضمون النصي من ناحية والعلامات اللغوية من ناحيةٍ أخرى، والتي يمكن أن تجعلها علامات استنباطية دالة على تلك العلامات الحِسِّية، وفق مجموعةٍ من المحددات التسنينية التي تحدِّد البنية الشكلية والنصية، ووفق بنية العلاقات الملزمة الموَلِّدة للتأويل، لتشكِّل الحواس قاعدة التسنين التي ينطلق منها المعنى وتربط بين بنيات النص الشعري لتفتح المجال للعلامات اللغوية لإنتاج الدلالات التعينية والضمنية، وهي ترتبط بالعضو المُنتِج للحاسة كالوجه، والقلب، واليد وغيرها من أجل تشكيل أدوات قادرة على الانفتاح وإنتاج منظومة ذهنية للتواصل الحِسِّي المُدرك، وهذا ما يعتمد عليه البهلاني خاصةً في نص (الوادي المقدَّس) الذي اعتمد على المُوجِّهات اللفظية الدالة (المدركات الحِسِّية والقدرة على الانفتاح الدلالي)؛ ففي قوله:
“هو اللهُ بِسْمِ اللهِ سُلطانُ اسمه غَلَبْتُ به من فاق أيدي وقُوتي
هو اللهُ بِسْمِ اللهِ سطوةُ اسمه قَصَمْتُ بها من شاء وَهْني وذِلَّتي
هو اللهُ بِسْمِ اللهِ ذي المُلكِ أذعنَتْ وشاهَتْ وجُوه المعتدين وَذَلَّتِ”
(45)
إن المُوجِّهات الإدراكية هنا تعتمد على حدوث الإدراك الحِسي نفسه، فاليد والوجه مدركات حِسِّية تعيينية، من حيث دلالتها الموجَّهة نحو المضمون العام (الاجتماعي والثقافي) لهذه الأعضاء، وتضمينية من حيث دلالاتها وانفتاحها على الحواس والإدراك؛ فالصُّوَر الشعرية التي تُنتِجها في علاقتها بالعلامات اللغوية تفضي إلى تقابلات بين (القوة / الوهن)، و(السمو/ التشوُّه)، وهذا ما نجده -أيضًا- في:
“وكيـف عنائي في المواطــــــــــــــن كُلِّها وظلمة قلبي وانطمــــاس بصيرتي
إلهــــــــــــــــي بصِّــــــــــــــــــــرني بنفــــــسي وقدرهـــــــا فمُطلــــــق خُســــــــــراني بجهلي برُتبتي
إلهي بمـــــــــا أبصرتــــــــه من نقائـــــــــصي وسُوء اختياري أنت تستر خُلَّتي”
(46)
ذلك لأن الحواس البصرية والقلبية هنا (القلب، والبصيرة)، تعتمدان على قدرة الإدراكات الحِسِّية على تمثُّل الإحساس وإنتاج علامات إدراكية تربط بينها وبين المدركات الحِسِّية المُضَمَّنة في (الجهل، والنقائص، والخلات)، والتي تشكِّل مساحاتٍ من (التنظيم الإدراكي) تقابل بين الحواس والفعل المُدرك في سيرورة تحاول أن تصل إلى ما يسميه تشاندلر بـ (الثبات الإدراكي)؛ أي ثبات الصورة وترسيخ القيمة المُدرَكَة.
إنَّ استباط التعالقات التي تنتجها العلامات الحِسِّية في شعر البهلاني يقوم على محوريْن أساسييْن، هما:
– الإحاطة:
إذ نجد أنَّ العلامات الحِسِّية تتركَّز على مساحاتٍ واسعة حيث تكون محاطةً بمجموعةٍ من المدركات التي تنظمها في وحدات الصورة الشعرية نفسها من خلال تعالقاتها مع النظام الحِسِّي الذي يؤسسه النص، ففي نص قصيدة (النهروانية):
“سَمِيري وَهَلْ للمُستهامِ سَميرُ تنامُ وَبَرْقُ الأبْرَقَيْن سَهِيرُ
تُمزِّقُ أحشاءَ الرَّبابِ نِصالُهُ وقلبي بهاتِيكَ النِّصالِ فَطِيرُ
تطايرَ مُرفَضُّ الصحائفِ في المَلَا لهُنَّ انطواءٌ دائبٌ ونُشورُ
يُهَلْهِلُ في الآفاقِ رَيْطًا مُوَرِّدًا طِوالَ الحواشي مَكثهُنَّ قصيرُ”
(47)
سنجد أنَّ النص يعتمد على نظام حِسِّي بصري، يقوم على التمييز بين الدلالات الضمنية والدلالات التعيينية، والتي تجعل من ثنائية (النوم / السهر) حالة تمايز (المُستهام)، وتقدمه باعتباره دلالة ضمنية لكل ما يأتي بعده من علامات، وتشكِّل من صُوَر حالات العذاب والألم دلالات تعيينية تربط بين العلامات الحِسِّية الإدراكية وقدرتها على الإحاطة بالدلالات في نطاق انفعالي يقدِّم سَيْرورةً من المنظومة اللغوية وفعل التزامن بين (المستهام)؛ باعتباره حالة إدراك حِسي، وبين ألمه وعذابه باعتبارهما مدركات حِسِّية.
إن هذا النظام الحِسِّي نجده في النص بطريقةٍ تراتبية تراوح بين الدلالات الضمنية والتعيينية، بحيث تظهر القِيَم الإدراكية بوصفها حالةٍ من حالات التجلي التي تحيط بالمدركات الحِسِّية وتقدمها في صُوَر من التقابلات ذات المعطيات النوعية تربط بين ما يمكن أن نطلق عليه (السبب والنتيجة)؛ ففي:
“يقولون ما لا يعلمون، وربما على عِلْمِهِ بالشيءِ ضَلَّ خبيرُ
ولو كان عين الحقِّ منشود جهدهم لما حَالَ سَدٌّ أو طَوَتْهُ سُتورُ
نَعَمْ أبصَرُوه حيث غرَّهم الهوى فصدَّهُمُ عنه هَوىً وغُرورُ
أقاموا لهم من زُخرُفِ القولِ ظِهْرَةً وللبُطْلِ فيما استظهروه ظُهور”
(48)
سنجد أنَّ جملة (يقولون ما لا يعلمون) تقدِّم حالة إدراكٍ حِسِّي، ترتبط بـ (العِلْم / الضلال)؛ أي أنها تُعد (امتداد دلالي) يوفِّق بين (القول/ والإدراك)؛ باعتبارهما دلالات تعيينية، وبين مفارقات (القول والبصر / القلبي الإدراكي)، الذي يتأسَّس على المفارقات الدلالية للصُوَر الشِّعرية (نعم أبصروه حيث غرَّهم الهوى)، و(فصدَّهم عنه هوًى وغُرور)، وبالتالي فإن هذه المفارقات تقدِّم (حدسية) المعطيات الحِسِّيَّة (أبصروا)، وكذلك (أقاموا)، و(استظهروا) التي تتَّخذ من القِيَم الحِسِّيَّة معطى يحيط بالمدركات ويقدمها في أنماط صُوَرِية.
– التتابع:
يرى جون أوستن أنَّ “حدوث الإدراك يُحتِّم وجود كيانٍ وسطي يُبلغنا عن شيء آخر”(49)، وهذا ما يؤكده فعل التتابع الذي تُحدثه العلامات الحسيِّة؛ إذ يتم من خلاله تحويل المتخيَّل إلى صُوَرٍ شعرية قادرة عبر تتابعها على إحداث سلسلة من التجليات المنتظمة في علاقات حِسِّية إدراكية، وبالتالي فإنها تولِّد وفق حالات التوازن والاختلال التي تَمُر بها تلك العلامات لتحقيق التنظيم الإدراكي لتلك العلامات وتحققها في أنماط الصُّوَر التي تنتجها، ولهذا فإن النص الشعري هنا يُنتج وفق مجموعة من حالات التتابع مجموعة من الصُّوَر الحِسِّية الإدراكية التي تقتضي توفُّر البنية والقدرة على الترابط
(50) والتتابع؛ ففي نص (القصيدة البائيَّة):
“بِاسْمِكَ سَيِّدي تُجْلى الكُروب وَذِكرُكَ تَطْمَئنُّ به القلوبُ
بِحَمْدِكَ سَبَّحَتْ روحي ونفسي وقلبي فِيكَ مُنكَسِرٌ قَطِيبُ
بَثَثْتُ إليكَ أحزاني وَكَرْبي وحالي عنك ربي لا تغيبُ
بِرَحْمَتِكَ استَغَثْتُ وَلِي يَقِينٌ بأنَّ من استغاثك لا يَخيِبُ
بِلُطْفِكَ سيِّدي فرِّجْ وبُشْرى وإنْ عَقَدَتْ شدائدَها الخُطوب”
(51)
اعتمد النص على فعل التتابع في إبراز حالات التجلي الروحية القائمة على الإدراك الحسي، فتجلت الروح والنفس والقلب، في حالات (الانكسار)، و(الحزن)، و(الكرب)؛ لتبرز صُوَر العلامات الشعرية باعتبارها بنية قائمة على الإدراك الحسي ومتحوِّلة ضمن معطيات التتابع لإنتاج علامات حسيِّة ذات بُعد روحاني متجلي في (الاستغاثة)، وهكذا يستمر النص في تتابع حالات هذا التجلي وفق منظومة الإدراك الحسي، ضمن توقعات الترابط التي تنتظم في علامات لغوية ذات دلالات روحية؛ ففي:
“بَصُرْتَ بِزَلَّتي سِرًّا وجهرًا وَسِرُّك ليس تَهْتِكُهُ العُيوبُ
بعيدٌ من عَبِيدِكَ كلُّ خيرٍ ولكن أنت بالحُسنى قريبُ
بِرَأْفَتِكَ استَجَرْتُ من الخطايا فكلُّ مكاسبي إثمٌ وحُوبُ
برَِئتُ إليكَ مِمَّا لَسْتَ تَرضى وأنتَ على بَراءَتِي الرَّقيبُ”
(52)
سيظهر الترابط وفق تجليات حاسة البصر القلبية القائمة على الإدراك، وتتطوَّر وفق معطيات ثنائية (السر/ الجهر)، و(البُعد / القُرب)، لتظهر صُوَر العلامات الشعرية وفق منظومة الإدراك الحِسي، لتشكِّل تتابع حالات الانكسار والتضرع في دلالات روحية، تكشف البُعد الحِسي من منظور الإدراك، وتشكيل الذات
(53) المتجلية في تلك الحالات.
ثالثًا: علامات الحواس وتأويل الصُّوَر الشعرية في مدونة أبي مسلم البهلاني:
- المحور النصي لتأويل علامات الحواس:
يُقصَدُ بالتأويل -بحسب إيكو، سواءً أكان علامة أم تعبيرًا أم متتاليةً نصية- أنه لا يترجم باعتباره “موضوع مباشر أو مضمون العلامة، ولكنه يوسِّع من مفهومه”
(54)، مما يعني أن التأويل ينطلق من علامة دائرة التوليد، الأمر الذي يُحيل إلى القدرة على الحُكم على العلامة من حيث حجة (المساواة والمشابهة)، والتعالقات القائمة على التكافوء، ولهذا فإن التأويل ينطلق من قدرة العلامة على الانفتاح والتعريف بالمضمون، وصولًا إلى (الموضوع الديناميكي) -حسب إيكو-، الذي سينتظم في حقول ومحاور وأنظمة.
لذا فإن المحور النصي للتأويل سيعتمد على علاقات التشاكل
(55)، من حيث قدرتها على “إقامة سلسلةٍ من الاندماجات الدلالية التي تحدد مستوى مُعطى من المعنى، وهذا المستوى من المعنى هو بالضبط ما يُسمَّى بالتشاكل…”
(56)، ولهذا فإن المحور يظهر في تلك العلاقات باعتباره بُعد تداولي، قائم على الانسجام التأويلي مع التشاكل؛ من أجل إنتاج مسارات المعاني التي يبرزها النص وفقًا لقواعد ذلك الانسجام، إضافةً إلى التشاكلات الخطابية التي يقوم عليها.
وانطلاقًا من ذلك فإن تلقِّي العلامات الحسية في نصوص البهلاني عامة، تقوم على بناء صُوَرِها الشعرية وفقًا لمجموعةٍ من التشاكلات التأويلية؛ وذلك لأنها تعمل وفق مسارات دلالية قائمة على الانتقاء السياقي الذي يفرضه الانسجام التأويلي على مستوى المعنى والعلاقات الدلالية الداخلية التي تربط النص وفق الموسوعة الثقافية التي يتأسَّس عليها الخطاب؛ ففي نص (الغَوْثُ السريع بالحبيب الشفيع)
(57):
“أنوارُ حُبِّكَ في قلبي قد انطبعَتْ جِبِلَّةً كانطباع الشمسِ في القمرِ
ما زال حُبُّكَ في رُوحي يُخَامِرُها حتى تجرَّدْتُ عن عَيْني وعن أثري
ما للمَحَبّةِ مِقدارٌ إذا اقتصَرَتْ الحقُّ حُبُّكَ حُبٌّ غَيرُ مُقْتَصِرٍِ
تجرُّدًا من هِناتٍ كلُّها حُجُبٌ لا وَصْلَ، والحُبُّ محجوبٌ بذي السُّتُرِ
أدعوكَ خَلْفَ حِجَابِ الكَوْن مُنبَسِطًا في بَسْطِ حُبِّكَ لَمْ أَخْلُص من الأثرِ
لا أحسبُ الروح إلاَّ أنها خُلِقَت من الهوى فاختفَتْ عن عالمِ الصُّوَرِ”
(58)
فإن النص يتخذ من الانفتاح النصي للعلامات الحسية الإدراكية أساسًا جوهريًّا للتجلي الروحي، بحيث يكون قادرًا على إبراز مجموعة من الترابطات ضمن المحور النصي (المدائح النبوية)، وعلاقتها بفعل التجلي الإدراكي وانفتاحه على خطاب النص. إن (أنوار الحب) تتجلى ضمن سياق التأويل باعتباره (موضوع ديناميكي) في مساراتٍ دلاليةٍ مرتبطة بـ:
الحُب الإلهي.
حُب الرسول الكريم.
المحبة الوجودية.
الأمر الذي يجعلها متعالية على فعل التعيين، ومتجليةً في (الروح)، و(العين) و(الأثر) باعتبارها محسوساتٍ إدراكية تربط بين ثنائية (الحجاب/ الصور. الرؤية)، حيث توجد علاقاتٍ استدلاليةٍ واسعة تتجلى ضمنها المحسوسات الإدراكية في صُوَر علاماتٍ شعرية تتشاكل مع المحور النصي لتؤسِّس إمكانات انفتاح النص وتجليه، وهذا ما نجده أيضًا في:
“وَجَدْتُ روحي صريعًا في مصارِعِه يا حبُّ لا تُبْقِ من روحي ولا تَذَرِ
نارُ المَحَبَّةِ نارٌ لا يُقامُ لها لوَّاحةٌ، قَسَمًا بالحُب للبَشَرِ
طارَحتُ أهلَ الهَوى حتَّى بُليتُ به فَفُقْتُهُم ومَشَوْا خَلفِي على أثري
لا يُصْدِقُ الحبَّ إلاَّ من يموتُ به ما للهوى دون حَسْوِ الموتِ من قَدَرِ
ولَيْتَها مَوْتةٌ في الحُبَِ مُوصِلَةٌ بِوَصْلَةٍ من حَبيبِ الله في العُمُرِ”
(59)
إذ يتجلي (الحب) في علاقته بثنائية (الحياة / الموت) من ناحية، و(الوصل / الفصل)
(60) من ناحيةٍ أخرى، وهي علامات حِسِّية إدراكية تقود النص إلى ثنائيةٍ تأويلية تتجلى في (الواقعي / الفردي)، الذي يجعل منه شرطًا وجوديًّا للتحقُّق وفق مقولة (التجربة، والواقعة، والوجود)، ولذلك فإن شروط تَحَقُّق الصُوَر الشعرية هنا فِعْل التجلي في الحب نفسه، الذي يُعَدُّ فِعلًا مُنفتحًا على التأويل، وبالتالي قادرًا على تأسيس رمزية النص وسيرورة العلامة الحِسِّية باعتبارها مدركة.
هكذا يستمر النص في بناء العلاقات بين العلامات الحِسِّية الإدراكية وفِعْل التجلي الروحي؛ بُغية تحقيق الإدراك وتصوير الوعي بالمحسوسات من خلال سيرورة التمثيل واشتغالات العلامة وأشكال تجلياتها، فتظهر العلامات الحِسِّية البصرية؛ باعتبارها حُجة دلالية تستقي عظمة الخالق، وتفتح آفاق التجلي الروحي وفق مجموعة من التأويلات المرتكزة على الإحالات والتدليل فـ (الاتصال / الانفصال)، مرتبط بـ (حُجَّة الله)، التي تتجلي في تلك العلامات البصرية الإدراكية التي تُنتج الدلالة، وتفتح آفاق التأويل.
إن العلامات البصرية التي تمثِّل (حُجَّة الله) تتجسَّد في تلك الآيات البصرية التي أنشأها -عزَّ وجلَّ- في آفاق السموات والأرض، والتي (سيقت… تكرمة له وتبصرة للسيء البصر)، الأمر الذي يفتح التأويل نحو فِعْل الإدراك القائم على التجربة المحسوسة المتمثِّلة في العلامات البصرية نفسها، والمتحقِّقة بالتأمل، وبالتالي فإن التأويل هنا يفتح السياق على توليد علامات إدراكية تربط بين الموضوع المعرفي وسيرورة الوجود ضمن نمط إدراك الذات لعالم الأشياء والموجودات الحسية؛ يقول:
“عِزُّ المكانة عند الله مُتَّصلٌ بِحُجَّةِ الله لا تسبيحةِ الحَجَرِ
وإنَّما سِيقَت الآياتُ تَكْرِمةً له وتبْصِرةً للسِّيء البَصَرِ
بصائرٌ جَهَرتْ أبصارُ جاحِدِها يُخفي لديهنَّ ضوءَ الشمس والقمرِ
لو لم يكن غيرُ إعجازِ البلاغةِ في الــــ ــــــذِّكْرِ الحكيمِ لطوع الجن والبشرِ
أتى وللبُلغاء اللُّسنُ عَارِضةٌ فَصَكَّ ثَغْرَ بيانِ القومِ بالحَجَرِ”
(61)
- أنماط تأويل علامات الحواس الإدراكية:
“إن قواعد إنتاج المادة النصية باعتبارها تقبل الوصف بِغَض النظر عن التأثير الناتج عنها من جهة، والمقاربة التأويلية من جهةٍ أخرى، لا يتطابق مع نمط آخر من التقابل”
(62)، وهذا يعني أن التأويل بوصفه (بحثًا عن مقاصد المؤلف)، فإنه -أيضًا- يحاول الكشف عن مقاصد النص، ومقاصد القارئ من منظور تكويني، يخضع لمجموعةٍ من القوانين اللغوية والتصويرية، إضافةً إلى الانفعالات والعواطف، وقدرة النص على التأثير في القارئ من خلال الصُّوَر الشعرية التي يؤسِّسها.
ولَعلَّ قدرة انفتاح النص الشعري وإمكاناته التأويلية تجعله قادرًا على خلق مجموعةٍ لا متناهية من العلامات التي تتخذ من الصُّوَر الشعرية أساسًا؛ ذلك لأن النص الشعري لا يعتمد على اللغة الواصفة بقدر اعتماده على اللغة الرمزية
(63)، التي تحيل على الوجود والتجلي، وهذا ما نجده في صُوَر العلامات الشعرية التي أنتجتها نصوص المدونة؛ إذ تتجلى هذه الصُّوَر في رمزيةٍ حِسِّيّة إدراكية، تقوم على المشابهة، والتمثيلات القائمة على إنتاج صُوَرٍ شعرية حِسِّيّة تقابلية، تعتمد على العلاقات التجاورية من ناحية، والعلاقات الوظيفية من ناحيةٍ أخرى.
ولأن “قصد النص هو أساسًا إنتاج قارئ مثالي قادر على القيام بتخمينات حوله، فإن مبادرة القارئ المثالي، تقوم على اكتشاف مؤلف نموذجي ليس هو المؤلف التجريبي والذي يتوافق في النهاية مع قصد النص”
(64)، فإن تحقُّق تأويل العلامات الحِسِّية الإدراكية، يعتمد على معطيات العلامات اللغوية وقدرتها على الانفتاح بما يسمح بالتأويل، وبالتالي فإن بناء الصُّوَر الشعرية هنا سينبني على قدرة تلك العلامات على التمفصُل والتجريب، إضافةً إلى قدرتها على إنتاج تفاعلات تبادلية يفرضها النص.
فتأويل صُوَر العلامات الشعرية بناءً على ذلك تأخذ مجموعةً من الأنماط تقوم على حالات الانفصال والاتصال، وإمكانات بناء علاقاتٍ منفتحةٍ قائمةٍ على الحواس الإدراكية وأنساق التجلي؛ فالعلامات السمعية والبصرية التي يشكلها نص (النونية. الفتح والرضوان في السيف والإيمان)، تقوم على حالات التجلي الوجداني من ناحية، وتشكيل الصُّوَر الشعرية الإدراكية، التي تبدأ بقدرة (البوارق)؛ باعتباها الحِسي الإدراكي، على تأسيس حالةٍ من التفاعلات الإبدالية ما بين حاسَتَيْ السمع والبصر، وما ينتج عنها من صُوَر استبدالية ما بين الانفصال والاتصال، فتنشأ وفق ذلك مجموعة من الصُّوَر؛ فمثلًا في مطلع القصيدة:
“تِلكَ البــــــــــوارِقِ حاديهـــــــــــــنَّ مِرنـــــــــــــــــــــــانُ فما لِطَرفِكَ يا ذا الشَجْــــــــوِ وَسْنانُ
شَقَّـــــــــــتْ صــــوارِمُها الأرجاءَ واهتزعَـــــتْ تُزجـي خَمِيسًا له في الجوِّ ميدانُ
تَبَجَّسَـــــــــــتْ بِهَزِيِــــــــــــــم الوَدْقِ مُنْبَعِقًـــــــــــا حتى تســــــــاوَتْ به أُكْــــــــــــمٌّ وَقِيعـــــــــــــــــانُ
سَقَى الشواجِنَ من رَضْوى وغَصَّ به سِرٌ وَجْوفٌ وغصَّت منه جَرنانُ”
(65)
تتشكَّل الصُّوَر:
علاقة تفاعلية بين (البوارق) = الطَّرف.
علاقة تَمَفْصُل المعنى بين (شقَّت صوارمها) = (اهتزعت تُزجي خميسا).
علاقة كفاءات وأداءات ثنائية بين (تبجَّست = تساوت)، و (سقى = غَصَّ).
وهي علاقات قائمة على ذلك التفاعل المتقابل أو الضدي بين العلامات الحِسِّية الإدراكية، سمحت بإنتاج تنويعاتٍ على مستوى الأنماط وتطورها النظمي في النص، وهكذا تستمر العلامات في الانفصال والانفتاح، وفق كفاءة الفعل الأدائي، وقدرتها على التجلي، ففي:
“نأيـــــــــــــــتُ عنها، ولكـــــــنْ لا أُفــــــــــــارِقُها بلى! كَمِ افترقَــــــــــــتْ روحٌ وجُثمـــــــــــــانُ
وَكَيْفَ أنسى عُهـــــــــــــودي في مســــارِحِها وهُنَّ بين جِنــــــــــــــان الخُلــــــــــد بُطْنـــــــــانُ
أم كَيْفَ يُمكنُ سُلــــــــــواني فضــــــــــائِلَها نَعَمْ لَدَيَّ لِذا السُلــــــــــوان سُلوانُ
معاهـــــــــدٌ شاقَنِــــــــــي منهـــــــا محـــــــــــــاسِنُهـــــــــا إنْ شــــــــــاقَ غَـــــــــــــــــــــــيْرِيَ آرامٌ وغُــــــــزلانُ
لها علـــــــــــى القلـــــــــبِ ميثاقٌ يَبوءُ به إن باءَ بالحُبَّ في الأوطان إيمانُ”
(66)
فإن مجموعة الأنماط التي تنتجها وفق ذلك التفاعل العلاقي بين العلامات الحِسِّية الإدراكية، التي تعتمد على (إيقاع الحركة) في النص، وتنقلات الصُّوَر بين المحسوس والمُدرك والإدراكي، إضافةً إلى الإمكانات الرمزية التي ينفتح عليها، وهي أنماط قائمة على الثنائيات، مثل (نأيت= أفارقها) من ناحية، والتصوير من ناحيةٍ أخرى الذي يعتمد على قدرة النص على التمثيل، وإنتاج تباينات على مستوى التعبير والمضمون، فنشأ عن ذلك تقابلات من مثل:
(كيف يمكن سُلواني = نعم لديَّ لذا السُلوان سُلوان)
(معاهدٌ شاقني منها محاسنها = إن شاق غيري آرامٌ وغزلان)
(لها على القلب ميثاق = إن باء بالحب في الأوطان إيمان)
إن أنماط التأويل وانفتاحه في هذا النص تقوم على القدرة الحِسِّية للنص، وعلاقتها بالأمكنة المحسوسة باعتباها (واقعًا)، وإمكانات الاستبدال وبناء صُوَر منفتحة، قادرة على التجلي، وتأسيس علاقات إدراكية متجاوزة الحدود اللغوية إلى عالم من حالات التحيين؛ ففي:
“يا برقُ حَرِّكْ هُمومي إن تَكُنْ سَكَنَتْ فكــــــــــــــــلُّ حَظِّيَ تحريــــــــــكٌ وإسكــــــــــــــانُ
ما زالَ ينشطُ بي هَمِّــــــــــي وأُصْـــــــــبِرُه وناشطُ الهـــــــمِّ لا تَزْويـــــــــــهِ أرسانُ”
(67)
سنجد أن ثنائية (الحركة/السكون) تفتح آفاق التأويلات ضمن تقابلات الحِسِّي والمدرك، والرمزية الصور، لإنتاج حالةٍ من حالات التجلي الروحي التي تعتمد على سُنَن التدليل والموجهات الدائرية القائمة على فعل الإدراك لهذه الثنائية، الأمر الذي يُفضي إلى ما يمكن اعتباره (تأويل رمزي)، يقوم على القراءة التمثيلية التي تربط (الذات) بحالة التجلي، وتقدمها باعتبارها رمزًا يربط بين العلامات الحِسِّية الإدراكية وفِعْلِ التصوير القائم على اللغة الواصفة من ناحيةٍ أخرى، وهذا ما نجده في العلاقات الدلالية التي يعتمد عليها النص عمومًا؛ ففي مثل:
” سِيماهُمُ النورُ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ وهَدْيُهُـــــم سُنَّـــــــــــةٌ بيضـــــــــاءُ تِبيــــــــــانُ
مُقَيِّــــــــــــــدون بحُكْـــــــــــمِ اللهِ حِكْمَتَهُـــــــــــــــــم وهمُّهم حَيْثُما كان الهُـــــــــــدى كانـــــــــوا
هم أسمعُ النـــــــــاسِ في حــــــــقٍّ وأَبْصَرُهم وفي سِــــــــــــواهُ هُمُ صُمٌ وعميــــــــانُ
لم تُلْهِهِــــــــــمُ زَهـــــــــــرةُ الدنيــــــا وزُخرُفُها إذ همَّهُمُ صالــــــــحٌ يَتْلوهُ رِضوانُ”
(68)
إذ نجد أن النص في بناء علاقاته يقوم على اللغة الواصفة التي تبني وحدات دلالية تفتح مجالات التأويل، فتظهر العلامات الحِسِّية باعتبارها تمثيلًا متعالقًا ما بين (السمع) و(البصر)، والرؤية (سيماهم)، والمدرك (الهدي، والهم)، لتُكوِّن بذلك أنماطًا تكوينية تقابلية، تُشَكِّل سُنَنًا تظهر في متواليات واصفة، ترتبط بوحدات حِسِّيَّة إدراكية ومجموع المدركات المكانية، كـ (بدية، واليحمد، وعِز، والمضيرب، والدريز، والقابل، وسمد، وغيرها).
على سبيل الختام:
إن العلامات الحِسِّية الإدراكية تعتمد على النموذج الثقافي، والمرجعيات المتعددة التي تنشأ ضمنها، وتكتسب معانيها وقدرتها على التصوير والترميز، ولهذا فإنها في الشعر تظهر ضمن تلك النماذج التي ترتبط بالإدراك والمدركات الحِسِّية، وقدرتها على بناء علاقات تبادلية تكمِّن العلامات الحِسِّية من تشكيل صُوَرٍ شعرية.
ولقد برع البهلاني بناءً على المحاولة التحليلية في هذا البحث، في تشكيل منظومة من العلامات الحِسِّيةالإدراكية التي قدَّمت مع العلامات اللغوية، إمكانات واسعة للصُّوَر الشعرية في الانفتاح على علاقات التناظر والتقابل والتبادل، من خلال مجموعة من التقنيات البنائية التي اعتمدت عليها النصوص في تمثيل الحالات الإدراكية، وأنماط المدركات.
ولأن “كل شيء يدرك بصفته علامة ويشتغل كعلامة، ويدل باعتباره علامة”(69)، فإن التجربة الشعرية هنا تستعرض سلسلةً من العلامات المترابطة والمتراكبة التي تقوم على المرجعيات الثقافية للشاعر، والعلاقات التمثيلية المعتمدة على مبدأ (الامتداد)، الذي يجعل منها تجربة كُلِّيَّة، تظهر في صُوَرٍ شعرية حِسِّية إدراكية، مُنْتَظِمَةٍ في متوالياتٍ منفتحة على التأويل.
المصادر والمراجع:
- الأحمر. فيصل، معجم السيميائيات. الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2010م.
- الإدريسي. رشيد، سيمياء التأويل. الحريري بين العبارة والإشارة. رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009م.
- إسماعيل. عز الدين، الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، ط3 . دار الفكر العربي، القاهرة، ب ت.
- إيكو. أمبرتو، التأويل والتأويل المفرط، ت ناصر الحواني. مركز الإنماء الحضاري، سوريا، ب ت.
- إيكو. أمبرتو، السيميائية وفلسفة اللغة، ت. أحمد الصمعي. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005م.
- إيكو. أمبرتو، حول سيميائيات التلقي، حقول سيميائية، ترجمة محمد التهامي العماري، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس، المغرب، 2007م.
- بن مالك. رشيد، قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص. دار الحكمة، الجزائر، 2000م.
- بنكراد. سعيد، السيميائيات والتأويل، مدخل لسيميائيات ش. س. بورس. المركز الثقافي العربي، بيروت، 2005م.
- تشاندلر. دانيال، معجم المصطلحات الأساسية في علم العلامات (السيميوطيقيا)، ت شاكر عبد الحميد، أكاديمية الفنون، المجلس الأعلى للآثار، القاهرة، 2002م.
- تشاندلر. دانيال، أسس السيميائية، ت طلال وهبه. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007م.
- جون لانغشو أوستن، الحواس والمحسوس، ت. طلال وهبه.هيئة البحرين للثقافة والآثار، البحرين، 2020م.
- الخرابشة. علي قاسم، تراسل الحواس وأثره في بناء الصورة الشعرية. مجلة العلوم الإنسانية، العدد 33، 2019م.
- الرواحي. ناصر بن سالم، الآثار الشعرية لأبي مسلم البهلاني، تحقيق: محمد الحارثي. منشورات الجمل، بيروت، 2010م.
- عصفور. جابر، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب. دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، ب.ت.
- كشاش. محمد، اللغة والحواس، مصادر المعرفة، ت حيدر الحسيني. مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث العقدية، العراق، 2019م.
- لخضاري. صباح، الصورة الشعرية وحسية الإدراك. فكر، العدد: 82.
- لوتمان. يوري، سيمياء الكون، ت عبد المجيد نوسي. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2011م.
- ليشته. جون خمسون مفكرا أساسيا معاصرا (من البنيوية إلى ما بعد الحداثة)، ت فاتن البستاني. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008م.
- ماتن. برونوين، وفليزيناس رينجهام، معجم مصطلحات السيميوطيقيا، ت عابد خزندار. المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2008م.
- هلال. محمد غنيمي، النقد الأدبي الحديث. دار نهضة مصر للنشر والتوزيع، 1997م.
- وزاده. محمد حسين، مصادر المعرفة، ت حيدر الحسيني. مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث العقدية، العراق، 2019م.
- وهبه. مجدي، وكامل المهندس، معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، ت2. مكتبة لبنان، بيروت، 1984م.
- Danesi, Marcel, Messages, Signs, and Meanings, A Basic Textbook in Semiotics and Communication, 3 ed. Canadian Scholars Press INC, Toronto, 2004.
- Sebeok. Thomas, Signs: An Introduction to Semiotics, 2 ed. University of Toronto, Toronto, London, 2001.
…………………………………………………………………….
- التواصل Communication: وفقا لرومان جاكبسون فإن التواصل يشتمل على عناصر ستة تشكل معا كل أنواع الكلام (الفعل القولي)، وهي الرسالة والمرسل والمتلقي والسياق والشفرة والوسيلة. إن الفكرة الأساسية للتواصل هي “أن الرسالة لا يمكن أن تزودنا بكل المعنى الذي يقوم به النق، فالدلالة مشتقة -أيضًا- من السياق والشفرة ووسائل الاتصال، فالدلالة تنهض على الفعل الكلي للتواصل”، انظر: ماتن. برونوين، وفليزيناس رينجهام، معجم مصطلحات السيميوطيقيا، ت عابد خزندار. المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2008م. ص 58، وانظر: تشاندلر. دانيال، معجم المصطلحات الأساسية في علم العلامات (السيميوطيقيا)، ت شاكر عبد الحميد، أكاديمية الفنون، المجلس الأعلى للآثار، القاهرة، 2002، ص 33.
- التأويل Hermeneutics: يشير إلى تفسير النصوص، ويستحضر علاقة النص بالمرجع، وهو يعني بصفة خاصة بالمعطيات الخارجة عن اللغة، ويعالج أمبرتو إيكو قضايا التأويل وفق تصوُّر يرى في التأويل وأشكاله صياغات جديدة لقضايا فلسفية، ومعرفية موغلة في القدم، فمجمل التصورات التأويلية التي عرفها قرننا هذا لا تفسر إلا بموقعها من الحقيقة كما تصورها الإنسان، وعاشها وصاغ حدودها أحيانا على شكل قواعد منطقية صارمة وأحيانا أخرى على شكل إشراقات صوفية، واستنباطية لا ترى في المرئي والظاهر سوى نسخ لأصل لا يدركه الحس العادي ولا تراه الأبصار…”، انظر: الأحمر. فيصل، معجم السيميائيات. الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2010م. ص 181-191، وانظر: ماتن، معجم مصطلحات السيميوطيقيا، مرجع سابق. ص 102.
- إيكو. أمبرتو، السيميائية وفلسفة اللغة، ت. أحمد الصمعي. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005، ص 47.
- أمبرتو إيكو (Umberto Eco): ولد في البيمونت في إيطاليا في العام 1932م، وقبل أن يتابع تخصصه في نظرية العلامات، درس الفلسفة وتخصص في النظريات الفلسفية والجمالية للعصور الوسطى. قدَّم أطروحته في جامعة تورين عن فلسفة الجمال عند (توما الأكويني)، وقد نُشرت في العام 1956م، بعدها أسهم إيكو في كتابة فصل بعنوان: (تطور فسلفة الجمال الوسيطة)، وأُدخل ضمن كتاب مؤلف من 4 مجلدات حول فلسفة الجمال، وقد تُرجم إلى الإنجليزية في العام 1986م. لقد عمل إيكو على فلسفة الجمال كما عمل على تشكيل مسار فكري خاص بالسيميائية أو نظرية العلامات منذ العام 1975م؛ حيث شغل كرسي السيميائية في جامعة بولونيا، وقد كتب كتابين طوَّر فيهما نظريته في العلامات والمعنى، هما (نظرية في السيميائية) في العام 1976م، و(السيميائية وفلسفة اللغة) في العام 1984م، إضافة إلى ذلك فقد كتب مجموعة من الروايات، أشهرها (اسم الوردة). من أعماله اسم الوردة، وبندول فوكو، وتأملات في اسم الوردة، واعترافات روائي ناشيء، ومقبرة براغ، وباودولينو، وتأملات في السرد الروائي، والأثر المفتوح، وغيرها. انظر: ليشته. جون خمسون مفكرا أساسيا معاصرا (من البنيوية إلى ما بعد الحداثة)، ت فاتن البستاني. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008. ص262-269.
- Thomas, Signs: An Introduction to Semiotics, 2 ed. University of Toronto, Toronto, London, 2001. Pg 36-38.
- إسماعيل. عز الدين، الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، ط3 . دار الفكر العربي، القاهرة، ب ت. ص 132.
- ناصر بن عديِّم بن سالم الرواحي، من شعراء عُمان، عاش في الفترة (1860-1920)، وهو فقيه ومتصوِّف، وإصلاحي وصحفي، هاجر من عُمان إلى زنجبار (شرق أفريقيا)، عمل في الصحافة والتدريس والقضاء، أسَّس صحيفة النجاح في العام 1911م، وترأس تحريرها، وأشرف على طباعة أمهات الكتب الدينية والأدبية، له العديد من المؤلفات والمخطوطات، منها: العقيدة الوهبية، ونثار الجوهر، وكتاب السؤالات، وألواح الأنوار وأرواح الأسرار، والكنوز الصمدية في التوسل بالمعاجز المحمدية، ورحلة في أفريقيا الشرقية، وديوان أبي مسلم البهلاني، وغيرها. انظر: الرواحي. ناصر بن سالم، الآثار الشعرية لأبي مسلم البهلاني، تحقيق: محمد الحارثي. منشورات الجمل، بيروت، 2010، ص 4- 96.
- السنن (Code): نظام من القواعد يسمح بكتابة رسالة معينة بواسطة سلسلة من الاستبدالات على نحو يمَّكن المتلقي الذي يعرف قاعدة الاستبدال من الحصول مجدداً على الرسالة الأصيلة، وقد كان سوسور قد تحدث عن السنن بمعانٍ ثلاثة، هي (الباليوغرافي)، و(المؤسسي)، و(التعالقي)، بحيث يستلزم مفهوم السنن في الحالات كلها مفهوم المواضعة من ناحية ومفهوم الآلية التي تتحكم فيها قواعد، ولهذا فإن السنن لا يظهر باعتباره آلية تسمح بالتواصل بقدر ما يظهر باعتباره آلية تسمح بالتحويل بين نظامين. انظر: إيكو. أمبرتو، السيميائية وفلسفة اللغة، ترجمة أحمد الصمعي. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005م، ص 407، و: Danesi,Marcel,Messages,Signs, and Meanings, A Basic Textbook in Semiotics and Communication, 3 ed. Canadian Scholars Press INC, Toronto, 2004.Pg 18-21.
- الشيفرة (Formalism): إن الشيفرات السيميائية منظومات إجرائية من الاصطلاحات المتعلقة بعضها ببعض، وتربط بين الدلالات والمدلولات في مجالات معينة، ولهذا فإنها توفر إطارا تكتسب فيه الإشارات معنى؛ فهي أدوات تفسيرية، تستخدمها جماعات مُفسِّرة. انظر: تشاندلر. دنيال، أسس السيميائية، ترجمة: طلال وهيه. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008م، ص448. وانظر: تشاندلر. دانيال، معجم المصطلحات الأساسية في علم العلامات (السيميوطيقيا)، ت شاكر عبد الحميد، أكاديمية الفنون، المجلس الأعلى للآثار، القاهرة، 2002، ص30.
- تشاندلر. دانيال، أسس السيميائية، ت طلال وهبه. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007، ص252.
- السياق Context: يحدد هذا المصطلح أيّ نص يسبق أو يقترن بأي وحدة دلالية ينهض معناه عليها، والنص بهذا المعنى يمكن أن يكون واضحا أو مضمرا أو ظرفيا، والسياق واحد من العناصر الستة التي تؤلف نموذج جاكبسون للتواصل، ووفقا له فإن أي رسالة لكي تكون لها دلالتها فإنها يجب أن تشير إلى سياق يكون مفهوما لكل من المرسل والمتلقي. انظر: ماتن. برونوين، وفليزيناس رينجهام، معجم مصطلحات السيميوطيقيا، ت عابد خزندار. المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2008م، ص66.
- المعنى Meaning: يرى دو سوسير أن معنى العلامات يكمن في علاقتها المنتظمة ببعضها بعضا، وفي مقابل ذلك يكون المعنى الإحالي للعلامة هو التمثيل المعرفي الخاص لكل ما تتم الإحالة إليه داخل العلامات والنصوص. وانظر: تشاندلر. دانيال، معجم المصطلحات الأساسية في علم العلامات (السيميوطيقيا)، ت شاكر عبد الحميد، أكاديمية الفنون، المجلس الأعلى للآثار، القاهرة، 2002، ص112-113.
- التأويل Interpretant: في نموذج العلامة عند بورس لا يُقصد بهذا المصطلح (المفسِّر) إنما هو المعنى الذي يضيفه المفسَّر على العلامة. إن ترجمة العلامة (العبارة) إلى عبارة أخرى يمثل فعلاً عملية التأويل؛ فالعلامة شيء ما يقوم مقام شيء آخر من وجهة نظر ما أو بصفة ما. وتتوجه إلى شخص أي تحدث في فكر ذلك الشخص علامة موازية، أو ربما علامة أكثر تطورًا. هذه العلامة هي التي يسميها إيكو مؤول العلامة الأولى. وفي توليد الدلالة غير المحددة التي يصفها بورس ويؤسس لها ليست هناك طريقة لتحديد مدلول عبارة ما أي لتأويل تلك العبارة. انظر: تشاندلر. دانيال، أسس السيميائية. مرجع سابق، ص433. وإيكو. أمرتو، السيميائية وفلسفة اللغة. مرجع سابق، ص455.
- عصفور. جابر، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي. دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، ب. ت، ص374، وانظر:
Danesi, Messages,Signs, and Meanings, Ibid. Pg 10-11.
- كشاش. محمد، اللغة والحواس، ص 30، وزاده. محمد حسين، مصادر المعرفة، ت حيدر الحسيني. مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث العقدية، العراق، 2019م، ص29.
- انظر المرجع السابق نفسه، ص 29.
- وزاده. محمد حسين، مصادر المعرفة، ت حيدر الحسيني. مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث العقدية، العراق، 2019م، ص42.
- المرجع السبابق نفسه، ص42.
- كشاش. محمد، اللغة والحواس، رؤية في التواصل والتعبير بالعلامات غير اللسانية، المكتبة العصرية، بيروت، 2001، ص32.
- المرجع السابق نفسه، ص32.
- المرجع السابق نفسه، ص 40.
- المرجع السابق نفسه، ص41.
- المرجع السابق نفسه، ص43.
- تشاندلر، أسس السيميائية، مرجع سابق، ص259.
- إن تراسل الحواس ينتج ضمن عمليات (التنظيم الإدراكي)، الذي يؤهِّل حاسة ما لتؤدي دور حاسة أخرى. إنها فعل لساني وتخييلي، قادر على الانفتاح ضمن تجليات النص الشعري، ووفق قدرات النص التي تصنع العلامات بناء على فعل التشفير الذي يعتمده، وبالتالي “تعطي المسموعات ألوانا، وتصير المشمومات أنغاما، وتصير المرئيات عاطرة… وذلك أن اللغة – في أصلها – رموز تنبعث لتثير في النفس معاني خاصة، والألوان والأصوات والعطور تنبعث من مجال وجداني واحد، فنقل صفاتها بعضها إلى بعض يساعد على نقل الأثر النفسي كما هو أو قريب مما هو” هلال. محمد غنيمي، النقد الأدبي الحديث. دار نهضة مصر للنشر والتوزيع، 1997م، ص395.
يعد تراسل الحواس من الظواهر المهمة في الشعر؛ ذلك لأنها تجرِّد المحسوسات من صفاتها المادية المعروفة وتوجهها نحو الرمزية لإنتاج معانٍ جديدة، وبالتالي صور قادرة على إبراز العاطفة والشعور، من خلال لغة شعرية تبني علاقات متجانسة تحاول نقل المحسوسات إلى فعل تأملي يخاطب الروح والوجدان والتخييل، ولهذا فإن التراسل الحسي “يرتبط بقدرة الخيال على استثمار المجازات اللغوية من أجل خلق عالم شعري، يمتلك القدرة على التعبير عن الواقع ممتزجا بتجربة الشاعر سواء أ كانت على صعيد الفكر أم الواقع”. الخرابشة. علي قاسم، تراسل الحواس وأثره في بناء الصورة الشعرية. مجلة العلوم الإنسانية، العدد 33، 2019م، ص144.
- وهبه. مجدي، وكامل المهندس، معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، ت2. مكتبة لبنان، بيروت، 1984، ص148.
- التصوير- التجسيدي Figurative: العناصر الحسية أو الصورية هي عناصر النص التي تقابل العالم الطبيعي، والتي يمكن استيعابها بالحواس الخمس (الرؤية واللمس والتذوق والسمع والشم)، وهي مكونات أساسية في بناء أثر الواقع أو توهُّم العالم الفعلي. انظر ماتن. برونوين، وفليزيناس رينجهام، معجم مصطلحات السيميوطيقيا، ت عابد خزندار. المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2008م، ص93.
- لخضاري. صباح، الصورة الشعرية وحسية الإدراك. فكر العدد 82، ص93.
- عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، مرجع سابق، ص374.
- الرواحي، الآثار الشعرية لأبي مسلم البهلاني، مرجع سابق، ص880.
- السيميائية Semiotics: تُعنى بإنتاج الدلالة وتحليلها، وتشير إلى دراسة نظام العلامات في حالة العملية مثل الشفرات بما في ذلك العلامات اللسانية. إنها نظرية إنتاج الدلالة وتوليدها، وتعنى بالكيفية التي تنتج بها الدلالة، والطريقة التعملية للسيميائيات مشتقة من “افتراض أن البنى التي ينهض عليها المعنى والتي تفضي إلى إنتاجه، يمكن أن تتمثَّل افتراضيا في هيئة نماذج ومشروعية أن نموذج ما يمكن أن تؤكد وتتحقق باختبارها ضد شيء سيميائي مثل نص يستهدف أن تطبق عليه…”. انظر: ماتن، معجم مصطلحات السيميوطيقيا، مرجع سابق، ص169- 170.
- انظر: إيكو، السيميائية وفلسفة اللغة، مرجع سابق، ص106-107.
- المرجع السابق نفسه، ص116.
- العلاقة التبادلية Correlation: تشير إلى الصلة التي تتأسس بين المستويات المختلفة للدلالة، وبالذات بين المستوى التصويري (الملموس)، والمستوى الموضوعي (التجريدي). انظر: ماتن، معجم مصطلحات السيميوطيقيا، مرجع سابق، ص69.
- الرواحي، مرجع سابق، ص853.
- لوتمان. يوري، سيمياء الكون، ت عبد المجيد نوسي. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2011، ص 16-17.
- الرواحي. مرجع سابق، ص862.
- المرجع السابق نفسه، ص866.
- التزامن Synchrony: يشير إلى التواكب بين الأفعال والأحداث؛ إذ تكون الحوادث متزامنة حين تتقابل هذه الحوادث في النقطة الزمنية نفسها، والتزامن يعتبر نقيضا للتراتب التاريخي أو التمادي الزمني الذي يشير إلى أحداث مرتبة في مساقات زمنية. انظر ماتن، معجم مصطلحات السيميوطيقيا، مرجع سابق، ص183.
- إيكو، السيميائية وفلسفة اللغة، مرجع سابق، ص 117.
- الرواحي، مرجع سابق، ص859.
- المرجع السابق نفسه، ص654.
- إيكو، السيميائية وفلسفة اللغة، مرجع سابق، ص 108.
- المرجع السابق نفسه، ص 108.
- الرواحي. مرجع سابق، ص127.
- المرجع السابق نفسه، ص149.
- المرجع السابق نفسه، ص413.
- المرجع السابق نفسه، ص419.
- جون لانغشو أوستن، الحواس والمحسوس، ت. طلال وهبه.هيئة البحرين للثقافة والآثار، البحرين، 2020، ص32.
- الترابط Coherece: في تحليل الخطاب يشير مصطلح ترابط إلى المدى الذى يعتبر فيه الخطاب مضفورا مع بعضه بدلا من أن يكون مجموعة من الجمل أو الملفوظات التي لا تربطها أي علاقة. انظر: ماتن. برونوين، وفليزيناس رينجهام، معجم مصطلحات السيميوطيقيا، ت عابد خزندار. المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2008م، ص 55
- الرواحي. مرجع سابق، ص355.
- المرجع السابق نفسه، ص355.
- الذات (Subject): تشير الذات في السيميائيات إلى وظيفة سردية (العامل) في البنية العاملية للتلفظ، ولهذا يتم التعرف عليها من خلال الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه أو إلى دحضه، ومن ناحية أخرى فإنها توجد في علاقة مع المرسل (مصدر القيم ومنتدب البحث). وفي السرد فإن العامل / الذات يمكن أن يقوم بدوره؛ أي ممثل (شخصية) يؤدي الفعل. ماتن، مرجع سابق، ص180، وانظر: تشاندلر. دانيال، معجم المصطلحات الأساسية في علم العلامات (السيميوطيقيا)، ت شاكر عبد الحميد، أكاديمية الفنون، المجلس الأعلى للآثار، القاهرة، 2002، ص212.
- إيكو، السيميائية وفلسفة اللغة، مرجع سابق، ص109.
- التشاكل Isomorphism: يستخدم المصطلح للإشارة إلى جوانب الاتفاق أو التوازي أو التشابة في الخصائص والعلاقات بين بنيتين مختلفتين، وعناصر بنيوية موجودة في بنيتين مختلفتين، والعناصر البنيوية الموجودة عند مستويات مختلفة داخل البنية نفسها. وانظر تشاندلر، معجم المصطلحات الأساسية في علم العلامات (السيميوطيقيا)، مرجع سابق، ص 95-97، وانظر: الأحمر. فيصل، معجم السيميائيات. الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2010م، ص235-243.
- الإدريسي. رشيد، سيمياء التأويل. الحريري بين العبارة والإشارة. رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009، ص109.
- انظر: الرواحي، مرجع سابق، ص441-451.
- المرجع السابق نفسه، ص442.
- المرجع السابق نفسه، ص443.
- الوصل والفصل Conjunction and disjunction: إن مصطلح الوصل والفصل يحدِّد العلاقات المحتملة بين الذات والهدف، وفي البرنامج السردي “يمكن أن يوصف بأنه تحوُّل في علاقات التركيب النحوية بين الذات والهدف من وصل إلى فصل أو العكس”. انظر: ماتن، معجم مصطلحات السيميوطيقيا، مرجع سابق، ص64.
- الرواحي. مرجع سابق، ص447.
- إيكو. أمبرتو، حول سيميائيات التلقي، حقول سيميائية، ترجمة محمد التهامي العماري، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس، المغرب، 2007، ص94.
- الرمز(Symbol): هو وحدة السيميائية الأحادية الجانب التي يمكن أن تتلقى تفسيرا أو تفسيرات متعددة. انظر: ابن مالك. رشيد، قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص. دار الحكمة، الجزائر، 2000م، ص211.
والرمزية Symbolic: هي صيغة أو أسلوب، لا يكون فيها الدال مشابها للمدلول، بل تكون العلاقة بينهما علاقة اعتباطية (أي تحكيمية)، أو علاقة عرفية (اتفاقية) محضة، بحيث يصبح من الضروري أن نتعلم هذه العلاقة. وانظر: تشاندلر، معجم المصطلحات الأساسية في علم العلامات (السيميوطيقيا)، مرجع سابق، ص214.
- إيكو. أمبرتو، التأويل والتأويل المفرط، ت ناصر الحواني. مركز الإنماء الحضاري، سوريا، ب ت. ص82.
- الرواحي. مرجع سابق، ص532.
- المرجع السابق نفسه، ص533.
- المرجع السابق نفسه، ص533.
- المرجع السابق نفسه، ص538.
- بنكراد. سعيد، السيميائيات والتأويل، مدخل لسيميائيات ش. س. بورس. المركز الثقافي العربي، بيروت، 2005، ص73.