

المشرف العام ورئيس هيئة التحرير
لسلطنة عُمان تاريخ مُشرِقٌ وأصيل، وحضارةٌ ممتدةٌ وعميقة، وإرثٌ ضاربٌ وخالد. قامت -على امتداد خط التاريخ- بِدَوْرٍ مُهمٍّ وكبير في ربط الشرق بالغرب؛ بحُكمِ موقعها الجغرافي المميز، وتمركزها في القلب النابض لحركة التجارة القديمة عبر العصور، فضلًا عمَّا حَبَا الله به هذه البلاد من خيرات. الأمر الذي ترك آثاره الواضحة والجَلِيّة على أخلاق أهلها، وسلوكهم، وأفعالهم؛ فقد عُرِفوا -أينما حَلّوا وارتحلوا- بأنهم رُسُلُ محبّةٍ وسلام، ومشاعل هدايةٍ وإرشاد، وحمَلة قِيَمٍ ومعانٍ سامية، وأخلاقٍ رفيعة، وآدابٍ وسلوكٍ جمٍّ ورشيد، وإنه لقبيح بنا -كما قال الأُوَل- وإن قدُمَ الدهر هوان الآباء والأجدادِ!
إن الوعي الحضاري بقيمة المُنْجَز الذي خَلَّفَهُ لنا الآباء، والإدراك المُسْتَلْهِم للمسؤولية الجليلة تجاهه، والنهوض الصادق بالواجب المُتَعَيّن علينا جميعًا؛ نُصحًا وإخلاصًا، ووفاءً واعترافًا لهم بالسبق، يجعلنا حريصين كل الحرص على أن نكون خير مُمَثلٍ لتلك الأمانة، وعلى أنْ نستشعر أنَّ ما نقوم به مهمٌّ جدًّا لا لحاضرنا فحسب، بل ولمستقبلنا الواعد، ومستقبل أجيالنا الصاعدة من بعد. إننا نؤمن بأن إصلاح حركة الحياة، إنما يبدأ بإصلاح الذات، وحتى لا نُكَرِّرَ أخطاء من سبقنا فإنَّ علينا الاستفادة من تجاربهم، واستلهام الدروس والعِبَر الهادية من الماضي، والأخذ بما من شأنه إعانتنا على القيام بالواجب، وحمْلِنا على الوفاء بواجباته ومطلوباته، وحفْزنا على بذل المزيد من الجهود الحميدة، والمساعي النبيلة، والأعمال الجليلة والمُخْلِصَة. إنَّ هذا الإرث وذلك التاريخ جديران حقًّا بعنايتنا البالغة، وإن امتياز الإرث والمكان، إلى جانب ما خصّنا الله به -جلّ وعلا-، ينبغي أن يكون باعثًا لنا نحو تقديم المزيد من العمل المنتج والخلّاق، والسعي الدائب والبنّاء، والجدّ والاجتهاد والتسابق المُلْهم والمحموم في ميادين العمل والإنجاز والعطاء، بعزمٍ وإصرارٍ وتصميمٍ أكيد؛ تحقيقًا للأهداف المرسومة، وترجمةً لها على أرض الواقع؛ أفعالًا حميدة، وصنائع مجيدة، تبعث على الفخار والشّمَم، وتُجَدِّد العزم والأمل، وتبذر للمستقبل ما فيه رفعة الأبناء وخيرهم وسعادتهم في معاشهم ومعادهم، وتُحَقِّق لنا -بالتالي- التوفيق والرشاد، والنجاح والارتقاء والسداد، وعمارة الأرض وإصلاحها -على وفق منهج الله-.