

حمود بن علي العيسري
تَوَهَّمَ الشَّاعِرُ- مِمَّا تَوَهَّمَهُ – حِينَ همَّ بِكِتَابَةِ هَذَا الْبَيَانِ الشِّعْرِيِّ
أَنَّ فَاتِنَةً اعْتَرَضَتْهُ
ذَات مَسَاءٍ
فَلَمَّا هَمَّ بِهَا
وَهَمّتْ رَغِبَ عَنْهَا
وَعَرَّجَ لِلْمَلَكُوتِ مُتَخَيِّرًا الْمكْثَ هُنَاكَ
لِيَصِيخَ هُنَاكَ
لِمعْشَرٍ تَدَثَّرُوا بِالنُّورِ وَاسْتَظَلُّوا
بِالْهُدَى
يُوصُونَهُ بِوَصِيَّةٍ
لِخُلَفَاءِ الْأَرْض
هَذِهِ الْأَبْيَات تُجْمِلُ كُلَّ تِلْكَ الْوَقَائِعِ فِي هَذِهِ الرُّبَاعِيَّةِ التَّرَاتُبِيَّةِ الْوَازِنَةِ :
الْمَشْهَدُ الْأَوَّل
(الِافْتِتَانُ الزَّائِف)
سَفَرَتْ بِوَجْهٍ
أَخْجَلَ الْأَقْمَارَا
فَأَحَالَتِ اللَّيْلَ
الْبَهِيمَ نَهَارا
لَمّا أَطَلّتْ كُلُّ
نَجْمٍ سَائِرٍ
أَغْضَى وَفِي رَحِمِ السَّمَاءِ تَوَارَى
وَالصَّمْتُ يَسْتَرِقُ
السُّكُونَ وَدَمْعُهُ
يَخْضَلُّ يُسْدِلُ بِالْحَيَاءِ سِتَارا
وَاللَّيْلُ مَدّ يَدَيْهِ
هَبَّ مُسَلِّمًا
أَهْدَى إِلَيْهَا
دُمْلُجًا وَسِوَارا
وَأَنَا لِوَحْدِي كُنْتُ
أَجْلِسُ وَالرُّؤَى
لِي مَدْرْجٌ
وَالصَّمْتُ كَانَ
حِوَارا
بِيَدِي الْيَرَاع وَعُدَّتِي
وَرَقِي الَّذِي
مَا انْفَكّ يُنْبِتُ أَدْمُعِي أَشْعَارا
وَدَنَتْ إِلَيّ وَحُسْنُهَا
مَلَأَ الْمَدَى
صَافَحْتُهَا بِيَدِ الْجَلَالِ وَقَارا
لَوْلَا الْحَيَاءُ طَفِقْتُ
مِنْ وَلَهِ الْهَوَى
أُبْدِي دُمُوعَ
الْمَحْجَرَيْن جِهارا
الْعَابِرُونَ تَوَارَدُوا
السَّاهِرُونَ تَوَافَدُوا
أَخَوَاتُ يُوسُفَ كُلُّهُنَّ غَيَارَى
وَقِيَامَةٌ قَامَتْ
هُنَاكَ وَقُودُهَا
أَلْقٌ أَحَالَ
الْعَالَمِينَ حَيَارَى
كُلُّ الْأُلَى حَضَرُوا
هُنَالِكَ وَلْوَلُوا
وَهَنَوا هُنَاكَ
وَدَمْدَمُوا أَطْوَارا
مَحَّصْتُهَا وَحْدِي لِأُلْفَيَ رَوْضَهَا
يَبَسًا وَبِيدرَها
النَّضِيرَ قفارا
أَدْرَكْتُ أَنّ الظِّلَّ
أَدْبَرَ وَانْزَوَى
فِي بَرْزَخٍ حَيْثُ
الزَّمَانُ تَوَارَى
الْمَشْهَد الثَّانِي
(الْبُلُوغُ وَالْبَلَاغ )
الْآنَ وَالْأُفْقُ الْبَهِيُّ
قُبَالتِي
فِي مَوْكِبٍ بِالنُّورِ
أَوْقَدَ نَارا
عَرّجْتُ لِلْأَفْلَاكِ
لَا أَلْوِي عَلَى
الْأَدْنَى وَجُزْتُ
الطُّورَ وَالْأَطْوَارَا
طَلَّقَتُ دُنْيَا التَّائِهِينَ
مُيَمِّمًا
لِلْفَيْضِ كَيْ أَتَفَيَّأ
الْأَوْطَارَا
وَأَلْوذُ بِالنُّورِ
الْمُبَينِ مُعَرِّجًا
لِلْمُنْتَهَى أَسْتَكْنِهُ
الْأَسْرَارَا
لِلْحَقِّ لِلْمَلَكُوتِ لِلْمَلَأِ الْأُلَى
بَلَغُوا الذُّرَى
وَاسْتَوْقَدُوا
الْأَنْوَارَا
وَجَّهْتُ وَجْهَيْ
شَطْرَهِمْ أَطُوِي
الْمَدَى
مُتَهَلِّلًا أَتَنَفَّسُ
الْأَعْطَارَا
أُولَائِكَ الْأَطْهَارُ
أَعْمِدَةُ السّنَا
الْأَقْرَبُونَ الْمُصْطَفَونَ جِوَارا
مَا أَرْوَعَ الْمِعْرَاجُ
فِي أَعْقَابِهِمْ
نَحْسُوا كُؤُوسَ الْعَارِفِينَ سُكَارَى
مَا زَاغَتِ الْأَبْصَارُ
عَنْ خَطَرَاتِهِمْ
وَعَدَدْتُهُمْ فِي الْمُرْتَقَى أَنْصَارا
وَهُنَاكَ حَيْثُ الْفَيْضُ أَجْرَى كَوْثَرًا
مَدَدًا تَعَدّى الْحَدَّ وَالْمِقْدَارَا
جَعَلُوا سَوَاقِي الْفَيْضِ أَدْمُعَهُمْ جَرَى
مِنْ وِرْدِهِمْ ذِكْرُُ
هَمَى مِدْرَارا
الْمَشْهَدُ الثَّالِثُ
( الْوَصِيَّةُ وَالْإِبْلَاغُ)
وَسَمِعْتُهُمْ فِي الْحَضْرَةِ الْأَسْنَى وَهُمْ
فِي جَمْعِهِمْ يَتَهَامَسُونَ مِرَارا
مَاذَا دَهَى الْإِنْسَانُ
وَهُوَ خَلِيفَةُ
اللَّهِ الْمُهَيْمِنِ !!
كَيْفَ عَاثَ وَجَارا
بَعَثُوا خِطَابًا هَا أَنا أَتْلُو لَكُمْ
فَحْوَاهُ يَبْدُو حَامِلًا إِنْذَارًا:
يَا أَيُّهَا الْخَلْقُ الْمُكَرَّمُ مِنْ لَدُنْ
رَبِِ رَآكُمْ خَلَقَهُ الْأَخْيَارا
وَأَمَانَةٌ عُظْمَى قَبِلْتُمْ حَمْلَهَا
وَاخْذْتُمُ الْمِيثَاقَ
وَالْإِقْرَارا
فَتَأَمَّلُوا وَتَدَبَّرُوا وَتَحَمَّلُوا
مَا فَازَ مَنْ يَتَدَرّعُ
الْأَعْذَارَا
وَاسْتَرْشِدُوا بِهُدى
الصِّرَاطِ فَرَبُّنَا
مَنْ أَوْدَعَ الْأَسْمَاعَ وَالْأَبْصَارَا
وَتَبَيَّنُوا سُبُلَ الصَّوَابِ فَنَهْجُكُمْ يَهْدِي الْوَرَى
وَالْمَعْشرَ الْأَبْرَارَا
وَالْعَالَمُ الْمَنْظُورُ
وَالْمَسْطُورُ لَا
تَذرُوهُمَا
اسْتَقْصُوهُمَا
اسْتِبْصَارا
هَذَا الْوُجُودُ لَكُمْ
مَمَالِكُ شَيِّدُوا
أَرْكَانَه وَاسْتَأْنِفُوا
الْمِشْوَارَا
قَدْ سَخَّرَ اللَّهُ الْوُجُودَ وَأَنْتُمُ
الْخُلَفَاءُ كُونُوا الْوَارِثِينَ
فَخَارَا
الْمَشْهَدُ الرَّابِعُ
( الْعَمَلُ وَالْإِنْجَازُ )
هِيَّا بِنَا نَحْنُ الْأُلَى
وَرِثُوا الْعُلَا
مِنْ ذِي الْعُلَا نَسْتَنْفِرُ الْإِصْرَارَا
فِي الْأَرْضِ نَضْرِبُ
فِي الْبِحَارِ وَفِي السَّمَا
وَنُجَاوِزُ الْأَفْلَاكَ
وَالْأَقْطَارَا
وَنَطُوفُ فِي الْآمَادِ
نَعْرِفُ كُنْهَهَا
نَسْتَنْطِقُ الْأَطْلَالَ
وَالْآثَارَا
بِالْعِلْمِ وَالْأَسْمَاءِ
وَالْمَدَدِ الَّذِي
يَنْثَالُ مِنْ عَلْيَائِهِ أَنْوَارًا
سَنَرَى الْحَقَائِقَ
وَالشَّوَاهِدَ وَالرُّؤَى
وَسَنَجْتَلِي مَكْنُونَهَا
اسْتِبْصَارا
وَنَطوفُ بِالْآفَاقِ
صَهْوَتُنَا الْمَدَى
كَيْ نَكْشِفَ الْأَبْعَادَ
وَالْأَغْوَارَا
وَنُصُوغُ مِنْ قِيَمِ
الصَّلَاحِ قَلَائِدًا
وَنُعِيدُ نَهْجَ السَّالِكِينَ مَنَارا
وَنُعِيدُ رَسْمَ
الْأَمْسِ نَقْرَأُ
سِفْرَهُ
وَنُمَحِّصُ الْأَنْبَاءَ
وَالْأَخْبَارَا
وَنُعِيدُ غَرْبَلَةَ
التُّرَاثِ لِكَيْ نَرَى
وَجْهَ الْيَقِينِ
عَلَى الْوُجُودِ مَدَارا
وَنَرَى الْفُنُونَ رِسَالَةً
كَوْنِيَّةً
لِلْحُبِّ فِي حَلَبَاتِهَا
نَتَبَارَى
وَالرَّسْمَ وَالتَّصْوِيرَ
فِي عَيْنِ الْوَرَى
يَسْتَغْرِقَانِ الطَّرْسَ
وَالْأَسْفَارَا
وَمَبَاهِجَ الْعَادَاتِ
مَنْ لِبْسٍ وَمِنْ
زِيٍّ يَشُدُّ الذَّوْقَ
وَالْأَنْظَارَا
وَشَوَارِدَ الْخَطَرَاتِ
مِنْ شِعْرٍ وَمِنْ
عَزْفٍ تُهَيْنِمُ فِي الرُّبى أَوْتَارا
وَمِنْ الْحَكَايَا وَالرِّوَايَاتِ الَّتِي
قَدْ أَلْهَمَتْ تَارِيخَنَا
اسْتِعْبَارا
وَصِنَاعَةً ضَمِنَ
الْخُلُودُ بَقَاءَهَا
عَبْرَ الزَّمَانِ
جَوَاهِرًا وَفَخَارا
وَمَظَاهِرَ الْعِمْرَانِ
وَالْإِعْمَارِ فِي
عَيْنِ الْيَقِينِ قَدْ
اعْتَلَتْ أَسْوَارا
نَحْنِي لَهَا الْهَامَاتِ
نَقْرَأُ رَسْمَهَا
وَرُسُومَهَا وَرِجَالَهَا
الْأَخْيَارَا
فَبِكُلِّ مَا اسْتَعْرَضْتُ
يَأْتَلِقُ الْمَدَى
وَهُدَى الصَّوَابِ
لَنَا يَكُونُ مَسَارا
وَالْحَاضِرُونَ هُنَا
طَلَائِعُ أُمَّةٍ
فِي مَعْبَرٍ رَسَمَ
الصَّلَاحَ شِعَارا
وَهُنَا تَآلَفَ كَيْ
يَصُوغَ بَيَانَهُ
وَيُذِيعَهُ لِلْعَالَمِينَ
نَهَارًا
وَهُنَا الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ رُبَّمَا
أَنْتُمْ هُنَا مَنْ
يُنْجِزُ الْإِعْمَارَا
بِالشُّكْرِ أَخْتُمُ
وَالْقَصِيدَةُ جَذْوَةٌ
النُّورُ يُطْفِئُ
وَالضِّيَاءُ النَّارَا
غَنّى الْمِدَادُ هُنَا
وَتَرْتِيلٌ جَرَى
مَدَدًا وَوَحْيٌ
أَلْهَمَ الْقِيثَارَا
Related Posts