مراجعة: عماد بن جاسم البحراني
باحث عُماني في التاريخ
من الكتب المهمة التي وصفت المشهد في عُمان خلال حقبة الستينيات من القرن العشرين الميلادي، كتاب (مسقط وعُمان: نهاية مرحلة) للمؤلف البريطاني إيان سكيت ” Ian Skeet”(1)، والذي جاء إلى عُمان للعمل في شركة تنمية نفط عُمان.
في هذا الكتاب نجد الكثير من التفاصيل عن الأحوال الداخلية في عُمان خلال السنوات الأخيرة من حُكم السلطان سعيد بن تيمور (1932- 1970م). وهنالك فكرتين رئيسيتين في كتابات سكيت، وهما: إبراز سمات حُكم السلطان سعيد بن تيمور، ووصف عدد من المناطق العُمانية في تلك الحقبة. وإن ما يميز كتابات سكيت هو اعتماده كثيرًا في وصفه للبلاد على زياراته التي قام بها لعُمان، وعلى ما كتبه أسلافه من الرحالة الذين زاروا عُمان خلال فترات زمنية مختلفة(2).
لقد وَصَفَ لنا سكيت بعضًا من ملامح الحياة في مسقط وعُمان، خصوصًا في مجالات التعليم والصحة والاقتصاد، وما كان يُعاني منه السكان في تلك الفترة من قيودٍ مفروضةٍ عليهم، وتقييد غير مبررٍ لحركتهم اليومية.
ومن الأمثلة على ذلك، ما ذكره سكيت عن القيود المُطَبَّقة على سكان مسقط، حيث يقول سكيت: إن المدينة مُسَوَّرة، ولا يمكن الدخول إليها إلا عبر ثلاث بوابات: الباب الصغير وهو مخصص للمارة والحمير، والباب الكبير وهو مخصص لحمولة يبلغ وزنها خمسة عشر قنطارًا، والباب الثالث هو باب المثاعيب والذي خُصص لعبور المركبات ذات الحجم الأكبر، والتي يُسمح لها بالانتقال بين مسقط ومطرح وداخل محيط مسقط فقط، وذلك بعد الحصول على موافقة خاصة وكانت نادرًا ما تُمنح.
ومن المظاهر الأخرى على القيود المفروضة على مسقط آنذاك، يذكر سكيت أن الباب الكبير يُغلق بعد ثلاث ساعات من غروب الشمس، ولا يُسمح للمركبات بالدخول إلا بعد الحصول على موافقة مكتوبة من قِبَل والي مسقط، كما أن الشخص الذي يمشي بداخل المدينة أو يخرج بسيارته بعد هذا الوقت يتوجب عليه أن يحمل فانوسًا يُضاءُ بالكيروسين.
وكان يتم من على قلعة الميراني دَقُّ الطبل مدة عشرين دقيقة، وبشكلٍ غير منتظم قُبَيل غروب الشمس، وذلك بهدف تذكير السكان والحراس بموعد الإغلاق، وبعد ذلك يُسمع دوي ثلاثة انفجارات -حَلَّت مَحَل طلقات المدفع التي كانت تُطلَقُ سابقًا- عبر أرجاء مسقط، فتُغلق أبواب المدينة، وتُضاء الفوانيس، ويقوم الحراس بالبحث عمن يخالف هذا القانون.
ثم يتحدث سكيت عن الجانب الصحـي في البلاد، موضحًا الوضع الصعب الذي كان يُعانيه العُمانيون في تلك الفترة، حيث كانت المستشفيات محدودة، والأمراض متفشية، والأدوية قليلة، وذكر سكيت أن المستشفى الوحيد الذي كان في البلاد هو مستشفى الإرسالية في مطرح، رغم أن البلاد -كما يقول سكيت- كانت بأمسِّ الحاجة إلى المزيد من الخدمات الصحية، وتوفير الدواء؛ بسبب انتشار الأمراض والأوبئة الناتجة عن الفقر.
ويضيف سكيت بأن هذا الوضع البائس تجده ماثلًا للعَيَان حتى في العاصمة مسقط وتوأمتها مدينة مطرح. حيث كانت عيون الأطفال يملؤها الرمد، والعديد من كبار السن يُقادون في الطرق وهم عُمي تمامًا. وكان المرء يرتجف خوفًا وهو يرى خارج المستشفى معتوهًا أو سفيهًا مقيدًا بسلاسل.
أما الجانب التعليمي في البلاد، فقد تحدَّث عنه سكيت بإسهاب، وذكر أن ما كان يطمح إليه العُمانيون هو الحصول على فرصةٍ لتعليم أطفالهم، بينما كان التعليم والانفتاح على النُّظُم الحديثة له عواقبه في نظر السلطان، ولذلك يمكن القول بأنه كلما أصبح الشعب أكثر تعليمًا وثقافةً أصبحوا أقل استعدادًا لقَبُول معدل ومستوى التنمية التي حققها السلطان، فالتعليم كان هو النقطة الأضعف في خطط السلطان، وكان النقطة الأكثر أهمية بالنسبة لشعب عُمان، ولذلك كانت هناك عناصر كثيرة في تلك الخطة في مسار التصادم والتناقض.
إن تاريخ التعليم في سلطنة مسقط وعُمان كان ضعيفًا؛ حيث تم البدء في إنشاء أول مدرسة حكومية عام 1914م، ثم أُلغِيَت عام 1927م، حيث تم إنشاء المدرسة السلطانية والتي استمرت حتى عام 1940م.
وفي عام1940م تم افتتاح المدرسة السعيدية بمسقط، ثم المدرسة السعيدية بمطرح عام 1959م، وفي عام 1964م تم إنشاء مدرسة داخلية أو سكنات داخلية على أرض مدرسة مسقط، ولكنها لا تؤوي تلميذًا واحدًا؛ لذلك فإن كل مدرسة من مدارس السعيدية كانت بها ثمانية فصول، سعة كل فصل 40 طالبًا، ولا يمكن تحديد مستوى التَّخرُّج فيها بأنه أعلى من الابتدائية الإنجليزية.
وكان هذا الوضع سيئاً للغاية، ولكن ما هو أسوأ من ذلك، قيام السلطان بشن حملة على المدارس الخاصة التي تزايدت وتنامت بشكلٍ كبير، وقد استندت اعتراضاته على أنشطتها؛ بسبب سوء وضعف أساليب التدريس بها، وتكدُّس الطلاب، والمواضيع غير المرغوب بها المدرجة ضمن المقررات.
وفي هذا الشأن يذكر سكيت بأنه على يقينٍ بأن مفتشي التعليم قد يتفقون معه، وأن الأشخاص الذين يقومون بإدارة تلك المدارس قد يتفقون معه -أيضًا-، ولكن تم تقييدهم بالقيود المفروضة عليهم، سواءً في طريقة الإنشاء أم تعيين المدرسين، لذا فإن مساءلتهم على ضعف الجودة ستكون ظلمًا كبيرًا لهم.
كما يذكر سكيت مَوْقِفًا حدث في مدينة صور، حيث قام بعض التجار فيها بشكلٍ تعاوني بتمويل إنشاء مدرسةٍ للقرية، وكان يتم إخطار السلطان بأنشطتها، ما أوقعها -بشكلٍ أو بآخر- تحت طائلة المتابعة.
فالمعلمون –كما يرى سكيت- هم سبب المشكلة الرئيسية؛ حيث إن عدد العُمانيين الحاملين للمؤهلات العليا قليل جدًا آنذاك، وكان المصدر الوحيد لتوفير الكادر التدريسي لعُمان هو العالم العربي، سواءً من الفلسطينيين أم من المصريين، ولكن هؤلاء الأشخاص كانوا مكروهين ومبغوضين من قِبَل السلطان، الذي يراهم بأنهم يمثلون مجموعة من الراديكاليين أو الاشتراكيين الثوْريين.
وعليه؛ فإن هذا المناخ المليء بعدم الثقة وَرَفْضِ قَبُول العرب قد جعل تعيين أي شخص بالنسبة لحكومة عُمان مشكلة جوهرية، وبالنسبة لتعيين المعلمين يعتبر الأمر شبه مستحيل، وإن هذا يمثل أحد أسباب رؤية معظم الأشخاص داخل البلاد لرغبة السلطان في تطوير التعليم بأنها تتسم بعدم الثقة.
أما السبب الآخر فهو شكوكه حول التعليم، وافتراضه بأن التعليم يؤدي إلى الاضطرابات، وبالطبع -والكلام لسكيت- فإن السلطان كان مُحِقًا في ذلك، حيث إنه يشير بذلك إلى المشكلات التي عانت منها الدول العربية ودول الخليج من قِبَلِ طلابها، بالإضافة إلى الأنشطة الطلابية التي وقعت عام 1968م في الولايات المتحدة وفرنسا وفي كل أوروبا، والتي أكدت على مخاوف السلطان من تطوير التعليم داخل دولته، وأنه يعتقد -أيضًا- بأن الحيلولة دون إتاحة التعليم للشعب سوف تثنيهم عن محاولة طلب العِلم…
أما ما يحدث عمليًا على أرض الواقع أن أيّ شخص يستطيع أن يذهب إلى أي مكان لتلقي التعليم أو تحسين ما تمكن من الحصول عليه من المدرسة السعيدية، وإن معظم هؤلاء الأشخاص قد ذهبوا إلى الكويت، حيث إن النظام الحكومي يُتيح بعض المقاعد المجانية لأي شخصٍ من منطقة الخليج، فبعضهم تلقى التعليم الثانوي، كما التحق الكثير منهم بالدراسة الجامعية، حيث يمكنهم الحصول على مقعد مجاني، سواءً في القاهرة أم بغداد، بالإضافة إلى أعداد بسيطة جدًا درست في روسيا.
لقــــــــــــــــــد انتـــشــــــــــــر الـكثــــــــــــــــــــير مـــــــــن الخريجين العُمانيين في مختلف التخصصــــــــــــــات، مـــــــــــن الهنـــــــدســـــــة الكيميائية إلى الهندسة المعمارية في شتى ربــــــــــوع العالم العـــــــربي، ولا يوجد واحد منهم في عُمان، وبالتالي يعتبر هذا الوضع مأساة حقيقية.
ويرى سكيــــــت أن العُمـــــــــــــــانيين يرغبون في تلقي التعليم أكثر من أي شَيْءٍ آخر، وأن هناك الكثير من العُمانيين ولا سيما في الداخل لم يصلوا بَعْد إلى مرحلة قدرتهم على التعبير عن تلك الرغبة، وبالنسبة لهؤلاء الأشخاص فقد كانت المدارس القرآنية التي تَعَلَّم فيها الأطفال كيفية حفظ القرآن عن ظهر قلب تتمتع بكفاءةٍ مؤقتة، ولكن سكيت لا يعتقد بأن هذا الأمر سيستمر طويلًا.
وقد يتحول التعليم إلى حجر الأساس الذي يمكن أن يستخدمه السلطان في قيادة شعبه نحو العالم الأفضل، فبالتالي فإن القيام بأي شيءٍ عملي لتحقيق هذا الهدف سوف يدفعه لإعادة هيكلة بعض مبادئه الأساسية، ولكن هذا الأمر كان غريبًا على طبيعته، وكما هو الحال فيما يتعلق بالعديد من الأشياء الأخرى القائمة داخل البلاد، وكانت الأماني هي الطريق الوحيد للجميع.
وقد عبَّر سكيت عن شعوره بالإحباط بسبب إحدى المناسبات في مدينة مسقط؛ والتي أُقيم بها حفل موسيقي بمناسبة عيد ميلاد السلطان، من قبل طلاب المدرسة السعيدية بمسقط، إلا أنه لم يكن بالشكل المَرْضِيّ عنه.
وبالنسبة للتجارة والاقتصاد فقد تحدث عنهما سكيت باستفاضة، وذكر العديد من التفاصيل المهمة عن تلك الفترة، حيث وضَّح أن إيرادات الجمارك كانت أساسًا للاقتصاد داخل عُمان، وكانت عبارة عن رسوم معنوية وبسيطة في نظر السلطان، يَتَعيَّن على مواطني عُمان دفعها، وأن اتجاه السلطان نحو فرض الضريبة كان هو الأسوأ على الإطلاق؛ حيث إنه لم يضع طريقةً مرنة بشكلٍ كبير، لدرجة أن إيرادات الجمارك تُسهِم بجزء بسيط من إجمالي الإيرادات العامة للدولة.
ويذكر سكيت أن أغرب ما في النظام الجمركي آنذاك هو أن النسبة المحددة لمختلف فئات السلع المستوردة لم يتم فرضها على سعر الاستيراد، ولكن تم فرضها على السعر السوقي للسلع، وكان يتم استخدام نسبةٍ عشوائية من أجل تقييم السعر السوقي، ولكن في حالة السلع شائعة الاستخدام مثل الأرز والقهوة والدقيق والشاي كان يتم وَضْع سعرٍ معياري أسبوعيًا من قبل هيئة الجمارك، واستخدم هذا السعر لتقييم الرسوم المفروضة على أية سِلَعٍ مستوردة خلال هذا الأسبوع، ويبدو بأن وضع وتحديد أسعار جمارك الاستيراد طريقة معقدة للغاية، بلا داعٍ.
فقد كان معدل الجمارك أعلى من المعدل المعمول به في أي مكان آخر في منطقة الخليج العربي، وكان أثر ذلك هو جعل عُمان تقتصر اقتصاديًا على حدودها، وكان الفرق بين مسقط وإمارة دبي -على سبيل المثال- واضحًا للجميع؛ حيث إن دبي كانت من المدن الآخذة في التطور والتقدم؛ فقد تم تطويرها دون إيرادات النفط، فلم يتم اكتشاف النفط فيها بكميات تجارية حتى عام 1966م، في حين أن مسقط لم تكن كذلك.
ويعتقد سكيت بأن مسقط كان في استطاعتها أن تستحوذ على قدرٍ كبيرٍ جدًا من التجارة؛ لو كان السلطان سعيد بن تيمور له شخصية تشبه شخصية الشيوخ التجار.
ويفسر سكيت وجهة نظره هذه قائلًا: “إنني لا أقصد بذلك بأنه في حالة إذا تحقق هذا الأمر فإن مسقط قد تكون بحالة أفضل في الوقت الحالي، على الرغم من أن الأوضاع قد تختلف كثيرًا، حيث إن مشكلات دبي تتزايد كلما زاد ازدهارها وتقدمها، ولكن ما يتعين علينا مراعاته هنا هو أن تجار مسقط يعرفون دبي ويدركون بأنه إذا تم ترتيب تلك الأمور بشكلٍ مختلف لأصبحت مسقط أكثر شبهًا بدبي من الوقت الحالي، ولذلك فإنه قد يكون لديهم إمكانية أقل من التفكير حول المشكلات التي تواجه دبي، وسيقومون بإجراء مقارنة بين المدينتيْن وهو الأمر غير المنصف بالنسبة لمدينة مسقط، ولذلك فإنهم لم يتأثروا عندما تم إخبارهم بأن السلطان يعرف أفضل مما يعرفون، وإنه يعرف الخير لهم أكثر من أنفسهم”.
ويضيف سكيت أن التجار كانوا الفئة الوحيدة من المواطنين التي كانت تزور السواحل الشرقية، وقد أصبح معظم الأشخاص على قناعةٍ بأن النظام الاقتصادي الذي يطبقه السلطان يعتبر الأسوأ من بين النظم التي مارسها شيـــوخ وحكـــــــام الخليـــــج، حيث تَكَــــوَّنَـــــت لديهـــــــــــم تلك القنـــــــــــاعــــــة من خـــــــــــلال العــــــديـد من القيــــــــود المفروضة على الواردات، وبالتالي فإن تلك القيود كان لها تأثير كبير على الدولة وعلى حماس شعبها في الإقبال على التجارة.
فقد كان هناك شرط مُسبق تم وضعه للاستيراد وهو الحصول على إذنٍ مُسبق، فممَّن يمكن الحصول على هذا الإذن؟ يتعين الحصول على الإذن المذكور من السلطان شخصيًا، وفي حالة إذا كنا لا نُصَدِّق بأنه يمكن لأحد الحكام فرض ضريبةٍ على كل طلبٍ من طلبات ترخيص السيارات فإن علينا أن ندرك بأن هذا الأمر يحدث في عُمان، وأن هذا قد يصبح مزحة إذا كانت مجرد ممارسة روتينية، وفي سياقٍ آخر نرى بأن هناك عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين لم يحصلوا على الترخيص، ولم تتم الاستجابة لطلبهم.
ويذكر سكيت بأنه يعرف شخصًا ما كان يعتزم البدء في إطلاق مشروعٍ تجاري جديد، وكان ينوي استثمار مبالغ مالية ضخمة في هذا المشروع، وقد كتب إلى السلطان يطلب منه الحصول على إذن استيراد سيارة، ولكنه لم يَتَلَقَّ أي رد مدة ستة أشهر، وبالتالي لم يتم منحه هذا الإذن.
كما يرى سكيت بأن السلطان مقتنع تمامًا بأن الرسوم الجمركية المفروضة على كل عُماني سوف تؤدي إلى الحفاظ على المجتمع، وأن الرسوم الجمركية تمثل الطريقة التقليدية لضمان ذلك.
ويشير سكيت إلى أن الزكاة تعتبر مصدرًا آخر من مصادر الإيرادات، ويتم تقييمها وفقًا لتقاليد إنتاج الأرض لمعدل 5% إذا كان يتم ريها بمضخة المياه أو أي وسيلة غير طبيعية أخرى، ونسبة 10% إذا تم ريها من الفلج أو المجرى المائي، ويتم إجراء التقييم على أساس توقعات المحاصيل، كما تُجمع الضرائب من قبل محصلي الزكاة.
ويمكن إعفاء بعض القبائل أو أهل القرى من الزكاة من قِبَل السلطان، حيث إن قبيلة الحواسنة لا تدفع الزكاة، وهي مكافأة على خدمتهم الطويلة والموالية للسلطان، فحتى إذ لم يتم دفعها للسلطان فإنه يمكن جمعها من قِبَل شيخ القبيلة لاستخـــدامه الشخـصـــــــــــي كما هو الحــال في قبيلة بني علي.
وتحدث سكيت في كتابه عن النفط في عُمان، ومردوده الإيجابي على خزانة الدولة، حيث بيَّن أن إيرادات الجمارك هي أساس الأموال التي يتم جمعها في السابق، أما الأموال الحالية والمستقبلية فسوف يتم الحصول عليها من النفط، بعد أن تأخرت الشركات في بدأ عملياتها بسبب الحرب بين السلطان والإمامة في داخل عُمان، ثم بعد ذلك بسبب الأوضاع الداخلية في الدولة.
وبعد إنفاق الكثير من الأموال والبالغة حوالي 12 مليون جنيه إسترليني، فقد قرر أغلب الشركاء عام 1960م عدم الاستمرار في التنقيب عن النفط، ومع ذلك قررت شركة شل الاستمرار ومحاولة إنجاح تلك المهمة، حيث تمكنت من اكتشاف كميات ضخمة من النفط في حقول “يبال” عام 1962م، و”ناطح” 1963م، و”فهود” 1964م، واعتزمت الشركة البدء في التصدير التجاري منتصف عام 1967م، وبالفعل فإنه بعد 33 شهرًا، وإنفاق حوالي 25 مليون إسترليني حدث ذلك، تحديدًا في السابع والعشرين من يوليو 1967م.
ووفقًا لمعايير الشرق الأوسط فإن إنتاج النفط في تلك الفترة في عُمان يعتبر ضئيلًا جدًا، ولكن أثره على اقتصاد البلاد سوف يكون ضخمًا للغاية، ولذلك فإن عمليات النفط نفسها كانت بسيطة للغاية، حيث توجد في حقل فهود أنابيب نفط رئيسية بطول 175 ميلًا تَمُرُّ من خلال الجبال، وتنتهي في محطة التخزين في ميناء الفحل، ولذلك فإنه في كل تلك المنشآت الحديثة يوجد مشروع جديد لإنتاج النفط.
وإلى جانب شركة تنمية نفط عُمان التي قامت بِجَنْيِ ما يزيد عن 2 مليون إسترليني للبلاد عام 1968م، فقد تم منح امتياز آخر للتنقيب عن النفط لمجموعة شركات تديرها شركة وينترشال الألمانية، كما كانت هناك مجموعة من الشركات الأمريكية تبحث عن النفط في ظفار في عام 1967م، ومع ذلك أصبح هذا الامتياز شاغرًا بعد العجز والفشل في إيجاد النفط الذي يمكن استغلاله تجاريًا.
لقد اضطرت عُمان إلى الانتظار لفترة طويلة حتى يتم اكتشاف النفط فيها، وقد تكون الكميات محدودة، ولكنها تمكنت من تحقيق إيرادات حقيقية، وكان هدف شركات النفط في التنقيب عن النفط في عُمان هو الحصول على مردودٍ قوي لها؛ أي أن الهدف الرئيسي التي تسعى إليه تلك الشركات هو تحقيق الأرباح.
فالنفط يعتبر من أكبر الأعمال الاقتصادية في عُمان، ولكن هناك عدة أعمال تجارية أخرى صغيرة، وما زالت الشركات التجارية في مدينة مسقط على نطاق محدود، وما زال لدى التجار الحرص والمهارة في بعض الأحيان، ولكنهم لم يبدأوا في التفكير في إقامة شركات كبرى، وعندما يقومون بذلك أو يسمح لهم ذلك سوف يتم ضخ مبالغ ضخمة للغاية، وكانت أحد المصادر التقليدية لتلك الثروات في الشرق الأوسط هي العقارات، ولكن ذلك لم يحدث على أرض الواقع، ويبدو بأن القيود المفروضة على بيع وشراء الأراضي تعتبر من القواعد الرشيدة والعقلانية التي تم اتخاذها في هذا السياق، من ثم قد تؤدي خطة التنمية إلى التطوير الذكي والجيد للمناطق في مسقط، وقد يكون ذلك مقبولًا من الناحية الجمالية، بل يمكن اعتباره انتصارًا؛ لأن مدينة مسقط تستحق ذلك.
لقد مثل كتاب “مسقط وعُمان: نهاية مرحلة” توثيقًا مُهمًا لجانب من جوانب الحياة في مسقط وعُمان في تلك الفترة، حيث خلص إليه الكاتب من خلال وجوده في عُمان في أواخر فترة الستينيات من القرن العشرين، وبطيعة الحال فهو يمثل وجهة نظر شخصية.
…………………………………………………………………….
- Ian Skeet, Muscat and Oman: the end of an era, London, Faber and Faber, 1974.
- الحجري، هلال. عًمــــــــــــــان في عيــــــــــون الرحالة البريطــــانيين قـــــــراءة جديـــــــــــدة للاستشـــــــــــــــراق، ترجمـــــة: خالد البلــــــــــــــــوش، ط1، مؤسســـــــــــة الانتشار العربي، بيروت، 2013م، ص423.